موقعنا يعتمد جميع أئمة الحديث ولا يقتصر على أحكام الشيخ الألباني رحمه الله
ألاحظ عند ذكركم أي حديث أنكم تقومون بذكر درجة الحديث حسب تصنيف الشيخ الألباني رحمه الله ، ونحن نعلم أنه قام بتخريج وبيان درجة أحاديث معظم كتب الحديث ، ولا ننكر مكانته في هذا العصر ، فمجهوده كان عظيماً .
ولكنّ سؤالي هو : هل غفل علماء الحديث المتقدمون عن الأحاديث التي قال الشيخ الألباني بضعفها أو عدم صحتها ، مع علمنا بوجود العديد من علماء الحديث من المتقدمين ، خصوصا في الوقت الذي كانت فيه بغداد ودمشق مليئة بعلماء الحديث الجهابذة ؟
وهل يجب على الأمة الأخذ بتصحيح وتضعيف الشيخ الألباني للحديث ؟
أرجو منكم الإجابة بشيء من التفصيل .
الجواب
الحمد لله.
بداية نشكر لك هذه الملاحظة ، واللغة العلمية والأدبية المستعملة فيها ، ونسأل الله
تعالى أن يقينا وإياكم شر الخطل والزلل .
ونحيطكم علما بأن موقعنا لا يتعصب لعالم دون آخر ، ولا يتقصد إهمال بعض العلماء على
حساب آخرين ، بل نعرف لجميع العلماء حقهم ومنزلتهم ومكانتهم ، ونسعى للإفادة من
جميع جهودهم على مر العصور والأزمان ، فهم منارات التاريخ التي أضاءت صفحاته ، وهم
شموس الهدى التي أشرقت في جنباته ، ونحن نشرف بالأخذ عنهم ، والاهتداء بعلمهم
وفهمهم .
ومن هذا الأصل الظاهر الذي أحببنا تأكيده في مقدمة الجواب يمكننا توضيح الجواب على
سؤالك فنقول :
أولا :
موقعنا مليء بنقل الحكم على الأحاديث عن الأئمة والعلماء المتقدمين ، من أمثال أحمد
بن حنبل (ت241) , والبخاري (ت256) ، وأبي زرعة (ت264) ، وأبي داود (ت275) ، وأبي
حاتم (ت277) ، والترمذي (ت279) ، والنسائي (ت303) ، والعقيلي (ت322) ، والدارقطني
(ت385) ، والحاكم (ت405) ، وابن عبد البر (ت463) ، وابن الجوزي (ت597) ، والنووي
(ت676) ، وابن تيمية (ت728هـ) ، والزيلعي (ت762هـ) ، وابن كثير (ت774) ، وابن رجب
(ت795) ، والعراقي (ت806) ، والهيثمي (ت807) ، وابن حجر العسقلاني (ت852) ،
والسخاوي (ت902) ، والسيوطي (ت911) ، والشيخ أحمد شاكر (ت1377) ، والمعلمي اليماني
(ت1386) ، والوادعي (ت1422) ، وغيرهم .
بل كثيرا ما كنا نعتمد أحكام هؤلاء العلماء ونخالف أحكام الشيخ الألباني رحمه الله
نفسه ، كما نقلنا عن ابن قيم الجوزية تصحيح حديث ( مَا أَنعَمَ اللهُ عَلَى عَبدٍ
نِعمَةً فِي أَهلٍ وَمَالٍ وَوَلَدٍ فَقَالَ : ( مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلا
بِاللهِ ) ، فَيَرَى فِيهَا آفَةً دُونَ المَوتِ ) ، رغم تضعيف الشيخ الألباني له ،
وذلك في الفتوى رقم : (77208) ، وانظر
أمثلة أخرى في (82463) ، (140084)،
(143955) ، (146446)
.
ثانيا :
أن الشيخ رحمه الله حكم على أحاديث كثيرة لم نجد أقوالا للعلماء الآخرين فيها ، مثل
حديث جابرٍ رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
الَّلهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي
، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي ، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي ) " .
رواه البخاري في الأدب المفرد (1/226) ، وصححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد "،
ولم نقف على حكم صريح آخر لغيره من العلماء .
مثاله في الفتوى رقم : (71152) ، ومثال
آخر تجده في الفتوى رقم : (98821) .
ثالثا :
أن عبارة الشيخ رحمه الله أوضح في كثير من الأحيان من عبارات الأئمة المتقدمين ،
بحكم معاصرته وأسلوبه القريب لأفهام القراء ، ونحن نحرص في موقعنا على اللغة السهلة
القريبة من أذهان عامة الناس ، ليكون مناسبا للمختص وغير المختص ، فوجدنا في كثير
من عبارات الألباني رحمه الله هذا المبتغى ، في حين أن بعض اصطلاحات الأئمة
المتقدمين قد تلتبس على القارئ ، فلا يدرك خلاصة الحكم على الحديث بسبب لغتها
العالية والمختصة .
فضلا عن المواضع الكثيرة التي ننقل فيها حكم الشيخ الألباني رحمه الله مصاحبا لشرحه
واستدلاله الفقهي في المسألة ، فيجتمع لنا غرضان في ذلك النقل ، كما وقع في تفصيل
الشيخ الألباني رحمه الله الكلام على " خطبة الحاجة " وتأصيل استحبابها ، وذلك في
الفتوى رقم : (198038) ، وانظر أمثلة
أخرى في : (145051) .
رابعا :
كما أننا في كثير من الأحيان نجد لدى الشيخ الألباني رحمه الله شرحا وإسهابا في
الحكم على الحديث ، بلغة مقنعة ، وحجة مفصلة ، ويكون غيره من العلماء آثر الاختصار
أو الحكم المجمل ، ويكون هدفنا في الجواب المعين : نقل البحث المفصل ، لحاجة المقام
إليه ؛ فحينها ننقل عن الألباني ما فصله وقرره في كتبه الموسعة .
انظر أمثلة ذلك في الفتاوى أرقام : (98821)
، (153285) .
خامسا :
ثم إن سهولة البحث في كتب الشيخ الألباني رحمه الله كان عاملا مهما في ذلك أيضا ولا
ينكَر ، خاصة قبل توفر أدوات البحث الإلكترونية المعاصرة ، ومحركات البحث الحديثة
كموقع " الدرر السنية ".
إذن فهي أسباب تتعلق بأدوات البحث وتسهيل العبارة ، وليست أسبابا مرتبطة بالتعصب ،
أو ادعاء الأعلمية ، فرغم منزلة الشيخ الألباني رحمه الله ومكانته في علم الحديث ،
إلا أن أحدا من المختصين لا يدعي له التقدم على أمثال البخاري وأحمد بن حنبل وغيرهم
ممن سبق ذكرهم ، بل لا شك في تقدم هؤلاء وسبقهم وأفضليتهم ، وهذا ما كان يقرره هو
نفسه رحمه الله في كتبه ومجالسه .
وللتوسع في التعرف على مكانة الشيخ الألباني ، يرجى مراجعة الفتوى رقم : (113687)
.
والله أعلم .