أيهما أفضل : سيد الاستغفار أم دعوة ذي النون ؟
أيهما أعلى وأفضل وأفرج للكرب وأثقل في ميزان الله عز وجل ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، أم استغفر الله وسيد الاستغفار ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
المشروع في الأذكار أن يجمع الذاكر بينها .
وانظر جواب السؤال رقم : (194733) .
فما ورد في نصوص الشرع من دعاء للكرب يلهج به المكروب ، وما ورد فيها من استغفار
يلهج به المستغفر ، وهكذا ، ودعاء ذي النون عليه السلام يقال عند الكرب .
قال الله عز وجل : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ
نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) الأنبياء/ 87 ،
88.
وروى الحاكم (1864) عن سعد رضي الله عنه قَالَ : " كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ
بِشَيْءٍ إِذَا نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْكُمْ كَرِبٌ ، أَوْ بَلَاءٌ مِنْ بَلَايَا
الدُّنْيَا دَعَا بِهِ يُفَرَّجُ عَنْهُ ؟ ) فَقِيلَ لَهُ : بَلَى ، فَقَالَ: (
دُعَاءُ ذِي النُّونِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ ) وصححه الألباني في " الصحيحة " (1744) .
ورواه الترمذي (3505) ولفظه : ( دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي
بَطْنِ الحُوتِ : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ
إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وأفضل صيغة للاستغفار لمن أراد أن يستغفر ما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بـ"
سيد الاستغفار" .
روى البخاري (6306) عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ :
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ
وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا
صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ
لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ) ، قَالَ : ( وَمَنْ
قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ
يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ
مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) .
فكل دعاء من هذين الدعاءين هو أفضل في الوقت والحال المناسب له ، فمن وقع في شدة
وكرب فدعاء ذي النون أفضل له ، ومن أراد أن يسأل الله المغفرة فسيد الاستغفار أفضل
له .
ثانيا :
ينبغي التنبيه إلى أن المفضول قد يكون هو الأفضل في حق بعض الأشخاص ، كما لو كان
يتفهم معناه أكثر ويحضر قلبه ويخشع عند هذا الدعاء ، فيكون هذا الدعاء هو الأفضل
لهذا الشخص ، ولكنه ليس هو الأفضل لجميع الأشخاص في جميع الأحوال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قَدْ يَكُونُ الْمَفْضُولُ فِي وَقْتٍ أَفْضَلَ مِنْ الْفَاضِلِ ؛ وَقَدْ يَكُونُ
الْمَفْضُولُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ
الْفَاضِلِ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (11 /399) .
وسئل رحمه الله عَنْ رَجُلٍ أَرَادَ تَحْصِيلَ الثَّوَابِ : هَلْ الْأَفْضَلُ لَهُ
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ؟ أَوْ الذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ ؟ .
فأجاب :
" قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ وَالذِّكْرُ أَفْضَلُ مِنْ
الدُّعَاءِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ ؛ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الْمَفْضُولُ أَفْضَلَ
مِنْ الْفَاضِلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ
ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَمَعَ هَذَا فَالْقِرَاءَةُ وَالذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ فِي
أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ كَالْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ وَوَقْتِ
الْخُطْبَةِ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ أَفْضَلُ
مِنْ الذِّكْرِ ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ النَّاسِ انْتِفَاعُهُ بِالْمَفْضُولِ
أَكْثَرَ بِحَسَبِ حَالِهِ إمَّا لِاجْتِمَاعِ قَلْبِهِ عَلَيْهِ وَانْشِرَاحِ
صَدْرِهِ لَهُ وَوُجُودِ قُوَّتِهِ لَهُ ، مِثْلُ مَنْ يَجِدُ ذَلِكَ فِي الذِّكْرِ
أَحْيَانًا دُونَ الْقِرَاءَةِ فَيَكُونُ الْعَمَلُ الَّذِي أَتَى بِهِ عَلَى
الْوَجْهِ الْكَامِلِ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ
عَلَى الْوَجْهِ النَّاقِصِ ، وَإِنْ كَانَ جِنْسُ هَذَا أَفْضَلَ ، وَقَدْ يَكُونُ
الرَّجُلُ عَاجِزًا عَنْ الْأَفْضَلِ فَيَكُونُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ
أَفْضَلَ لَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (23 /62-63) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الأعمال لها مراتب بعضها أفضل من بعض ، ولكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من
الفاضل " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (12 /22) بترقيم الشاملة .
والله تعالى أعلم .