الحمد لله.
أولا من أقوال أئمة الشيعة في تفضيل الصحابة ، وعرفان مقامهم :
عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ ، قَالَ: " وَافَقْنَا مِنْ عَلِيٍّ ذَاتَ يَوْمٍ
طِيبَ نَفْسٍ وَمِزَاجٍ ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، حَدِّثْنَا
عَنْ أَصْحَابِكَ خَاصَّةً ، قَالَ: كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابِي ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ ، قَالَ: " ذَاكَ امْرُؤٌ أَسْمَاهُ اللَّهُ صِدِّيقًا عَلَى لِسَانِ
جِبْرِيلَ وَلِسَانِ مُحَمَّدٍ ، كَانَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى الصَّلَاةِ
، رَضِيَهُ لِدِينِنَا ، وَرَضِينَاهُ لِدُنْيَانَا "
انتهى من " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (7/ 1372) .
فإذا كان عليّ يقدم أبا بكر وعمر على نفسه ، فلا شك أن أتباعه الذين صحبوه كانوا
على هذا الاعتقاد أيضا .
قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ ، عَنْ لَيْثٍ قَالَ : " أَدْرَكْتُ الشِّيْعَةَ الأُوْلَى
بِالكُوْفَةِ وَمَا يُفَضِّلُوْنَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحَداً " انتهى من
" سير أعلام النبلاء " (6/ 314) .
ونحن نذكر جملة من هؤلاء الشيعة المتقدمين ممن يقدم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما
، ويذكرهما بالفضل :
- محمد بن علي بن أبي طالب ، والمعروف بابن الحنفية ، روى البخاري (3671) عَنْ
مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ ، قَالَ: " قُلْتُ لِأَبِي : أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ
بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ ،
قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ ، قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ ، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ ،
قُلْتُ : ثُمَّ أَنْتَ ؟ ، قَالَ: " مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ "
.
ولو لم يكن يقرّ بذلك لعارض أباه ، ولما رواه للناس من بعده .
- علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
عَنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ
: كَيْفَ كَانَتْ مَنْزِلَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: " كَمَنْزِلَتِهِمَا الْيَوْمَ وَهُمَا
ضَجِيعَاهُ " انتهى من "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (7/ 1378) .
- عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي .
عن أبي خَالِدٍ الْأَحْمَرَ، قَالَ: " سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا، وَلَا صَلَّى عَلَى
مَنْ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِمَا " .
انتهى من " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (7/ 1381) .
- أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قال ابن كثير رحمه الله : " هُوَ أَحَدُ مَنْ
تَدَّعِي فِيهِ طَائِفَةُ الشِّيعَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ
عَشَرَ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ عَلَى طَرِيقِهِمْ وَلَا عَلَى مِنْوَالِهِمْ،
وَلَا يَدَيْنُ بِمَا وَقَعَ فِي أَذْهَانِهِمْ وَأَوْهَامِهِمْ وَخَيَالِهِمْ ،
بَلْ كَانَ مِمَّنْ يُقَدِّمُ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَذَلِكَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ
فِي الْأَثَرِ، وَقَالَ أَيْضًا: " مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي
إِلَّا وَهُوَ يَتَوَلَّاهُمَا " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْهُ " انتهى من "
البداية والنهاية " (13/ 72) .
- ابنه جعفر بن محمد الصادق .
قال الحسن بن صالح بن حيي : سمعت جعفر بن محمد الصادق يقول : " أنا بريء ممن ذكر
أبا بكر وعمر إلا بخير " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (2/ 412) .
- زَيْدُ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قال في
أبي بكر وعمر : " غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا، مَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ
بَيْتِي يَتَبَرَّأُ مِنْهُمَا ، وَأَنَا لَا أَقُولُ فِيهِمَا إِلَّا خَيْرًا "
انتهى من "البداية والنهاية" (13/ 106) .
- شريك بن عبد الله القاضي ، والأجلح بن عبد الله الكندي ، وهما من الشيعة .
روى شريك عن الأجلح قال: "سمعنا أنه ما يسب أبا بكر وعمر أحد إلا مات قتلا أو فقيرا
" انتهى من " تهذيب التهذيب " (1/ 190) .
- محمد بن فضيل ، وسالم بن أبي حفصة .
روى مُحَمَّدُ بن فضيل عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ قَالَ: " سَأَلْتُ أَبَا
جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَهُ جَعْفَرًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
فَقَالا : " يَا سَالِمُ : تولهما وابرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هُدًى " ،
وَقَالَ لِي جَعْفَرٌ: " يَا سَالِمُ أَيَسُبُّ الرَّجُلُ جَدَّهُ! أَبُو بَكْرٍ
جَدِّي فَلا نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَتَوَلاهُمَا وَأَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّهِمَا
" قال الذهبي : " هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَسَالِمٌ وَابْنُ فُضَيْلٍ
شِيعِيَّانِ " انتهى من " تاريخ الإسلام" (9/ 90) .
- عبد الرحمن بن صالح الأزدي ، أبو محمد الكوفي.
قال البغوي : سمعته يقول : " أفضل هذه الأمة بعد نبيها : أبو بكر وعمر "
انتهى من "ميزان الاعتدال" (2/ 569) .
- أبو الصلت الهروي .
قال أحمد بن سيار : " كان يعرف بالتشيع ، فناظرته لأستخرج ما عنده ، فلم أره يفرط ،
رأيته يقدم أبا بكر وعمر، ولا يذكر الصحابة إلا بالجميل " .
انتهى من " ميزان الاعتدال" (2/ 616) .
- مجالد بن سعيد ، قال مجالد : " أَشْهَدُ عَلَى أَبِي الْوَدَّاكِ ، أَنَّهُ
شَهِدَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ
لَيَرَوْنَ أَهْلَ عِلِّيِّينَ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ
السَّمَاءِ ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ ، وَأَنْعمَا )انتهى من "
فضائل الصحابة " للإمام أحمد (1/ 169) .
ومجالد من الشيعة ، وقد روى هذا الحديث في فضل الشيخين رضي الله عنهما .
ومثل ذلك كثير مشهور .
ثانيا :
أقوال العلماء في تقرير ذلك الأصل ، وحكاية مذهب الشيعة المتقدمين :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَلِهَذَا كَانَتِ الشِّيعَةُ الْمُتَقَدِّمُونَ الَّذِينَ صَحِبُوا عَلِيًّا،
أَوْ كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ : لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي تَفْضِيلِ أَبِي
بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا كَانَ نِزَاعُهُمْ فِي تَفْضِيلِ عَلِيٍّ،
وَعُثْمَانَ، وَهَذَا مِمَّا يَعْتَرِفُ بِهِ عُلَمَاءُ الشِّيعَةِ الْأَكَابِرُ
مِنَ الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ ، حَتَّى ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ أَبُو الْقَاسِمِ
الْبَلْخِيُّ ، قَالَ: سَأَلَ سَائِلٌ شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
نَمِرٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ أَبُو بَكْرٍ، أَوْ عَلِيٌّ ؟ فَقَالَ
لَهُ : أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ : أَتَقُولُ هَذَا ، وَأَنْتَ مِنَ
الشِّيعَةِ؟ ، فَقَالَ: نَعَمْ إِنَّمَا الشِّيعِيُّ مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا ،
وَاللَّهِ لَقَدْ رَقَى عَلِيٌّ هَذَه الْأَعْوَادَ ، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ خَيْرَ
هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، أَفَكُنَّا
نَرُدُّ قَوْلَهُ؟ أَكُنَّا نُكَذِّبُهُ؟ وَاللَّهِ مَا كَانَ كَذَّابًا " انتهى من
"منهاج السنة النبوية" (1/ 13-14) .
وقال أيضا :
" الشِّيعَة الْأُولَى أَصْحَابَ عَلِيٍّ لَمْ يَكُونُوا يَرْتَابُونَ فِي
تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَيْهِ.
كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ: " خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ؟ "
.
انتهى من " منهاج السنة النبوية " (2/ 72) ، وانظر أيضا : "منهاج السنة النبوية"
(4/ 132) .
قال الذهبي رحمه الله :
" الشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم : هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية
، وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه، وتعرض لسبهم.
والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ، ويتبرأ من الشيخين أيضاً،
فهذا ضال معثَّر " انتهى من "ميزان الاعتدال" (1/ 6) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" التشيع في عرف المتقدمين : هو اعتقاد تفضيل عليّ على عثمان , وأن عليا كان مصيبا
في حروبه وأن مخالفه مخطئ، مع تقديم الشيخين ، وتفضيلهما ...
وأما التشيع في عرف المتأخرين : فهو الرفض المحض ، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي
ولا كرامة " انتهى من " تهذيب التهذيب " (1/ 94) .
ثالثا :
من الأدلة المهمة في هذا المقام : أن نعلم كيف كانت المصاهرة بين آل البيت الكرام ،
وبين الصحابة ، وحرص أئمة آل البيت على تسمية أبنائهم بأسماء كبار الصحابة ، كأبي
بكر وعمر وعثمان ، وغيرهم ، رضوان الله عليهم جميعا .
ويكفي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هو أول من سمى ثلاثة من أبنائه : أبا بكر
، وعمر ، وعثمان !!
وأما ابنه الحسين ، رضي الله عنه : فقد سمى ابنا له : أبا بكر ، وسمى الآخر : عمر!!
وأخو الحسين : علي ، زين العابدين : سمى أحد أبنائه : عمر ، وآخر سماه : عثمان ،
وكنى نفسه : أبا بكر !!
وأما الكاظم ، فقد سمى أحدَ أبنائه بأبي بكر، وآخر بعمر، وكان ابنه الرضا يكنى بأبي
بكر !!
وأما من سمى بناته : باسم أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، أو بأسماء أمهات
المؤمنين الأخريات ، فكثير في أهل البيت ، رضي الله عنهم :
فعلي زين العابدين : سمى بنتا له : عائشة ، ومثله : جعفر الصادق .
والأمر في هذا كثير ، يطول إحصاؤه .
وينظر في ذلك :
بحث : صِدْقُ المحَبَّة بين آلِ البَيْتِ والصَّحَابَة رضي الله عنهم ، لعبد
الأَحَد بن عبدِ القُدُّوسِ النَّذِير :
http://www.almoslim.net/node/181884
وانظر للفائدة إجابة السؤال رقم : (101272) ، والسؤال رقم : (127152) .
والله أعلم .