الحمد لله.
ثانيا:
المراد بالأحاديث التي تنهى عن الهجر فوق ثلاث : ما كان فيها الهجر لحظوظ النفس
والأمور الدنيوية ، فأما الهجر لأجل الدين : فتجوز فيه الزيادة على الثلاث ، نصَّ
عليه الإمام أحمد ، كما ذكر ذلك ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " (2/269) .
وقال الإمام مالك : " ويهجر
أهل الأهواء والبدع والفسوق لأن الحب والبغض فيه واجب ، ولما في ذلك من الحث على
الخير والتنفير من الشر والفسوق " انتهى من " الذخيرة " (13/314) .
وقال أبو سعيد الخادمي
الحنفي في الوعيد على الهجر فوق ثلاث ليال : " محمول على الهجرة لأجل الدنيا ، وأما
لأجل الآخرة والمعصية والتأديب : فجائز ؛ بل مستحب من غير تقدير " انتهى من " بريقة
محمودية " (2/267) .
وفي " الموسوعة الفقهية
الكويتية " (36/122) : " يسن هجر من جهر بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية ،
وقيل: يجب إن ارتدع به ، وإلا كان مستحبا " انتهى .
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
: " أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ قَالَ : " فَنَهَاهُ ،
وَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ
الْخَذْفِ ، وَقَالَ : إِنَّهَا لا تَصِيدُ صَيْدًا وَلا تَنْكَأُ عَدُوًّا
وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ ، قَالَ : فَعَادَ ، فَقَالَ
: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى
عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ لا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا " أخرجه البخاري (5162) ، ومسلم
(1954) .
قال النووي – رحمه الله – " فيه : هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنَّة مع العلم ، وأنه يجوز هجرانه دائماً ، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا ، وأما أهل البدع ونحوهم : فهجرانهم دائماً ، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له ، كحديث كعب بن مالك وغيره " انتهى من " شرح مسلم " (13/106) .
وهجر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ابناً له ، إلى أن مات ، فقد روى الإمام أحمد أن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلٌ أَهْلَهُ أَنْ يَأْتُوا الْمَسَاجِدَ ) ، " فَقَالَ ابْنٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: فَإِنَّا نَمْنَعُهُنَّ ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ هَذَا ، قَالَ: فَمَا كَلَّمَهُ عَبْدُ اللهِ حَتَّى مَاتَ " وإسناده صحيح كما قال الشيخ الألباني في " غاية المرام " (ص/234) .
وفي رواية مسلم " فَأَقْبَلَ
عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ: فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ
قَطُّ وَقَالَ: " أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَتَقُولُ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ " أخرجها مسلم برقم (1017).
ثالثا :
لا يعني ذلك : أن وصله فيه ذلا عليك ، أو على الدين وأهله ؛ بل الأمر في ذلك مبني
على المصلحة ؛ فمتى رجوت أن ينتفع بوصلك ، وسلامك عليه ، وتهدأ نفسه ، وتزول حدته
على أهل الدين ، وتخف عدواته لهم : فالأولى لك وصله ، لا سيما وهو مسلم ، لم تسقط
حقوقه كلها بما أتى من خطأ أو شر أو معصية .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (171445)
، ورقم : (22872) ورقم : (93146)
.
والله أعلم .