اعتنقت الإسلام حديثا ، وأريد معرفة ما هو اللباس الذي يجب على المسلمة التزامه في الصلاة ، فأنا لم أجد أي آية تنص على لبس الحجاب في الصلاة ، فهل تصح صلاتي إن صليت دون أن ألبس الحجاب ، أو مع كشف جزء من جسمي ، مع العلم أنني ملتزمة بالحجاب ، ولكن أود معرفة السبب في فرض الحجاب على المرأة في الصلاة بالرغم من انتفاء الفتنة ، فلا يوجد أحد يراني غير الله في الصلاة ، كما أنني لن يلف جسمي إلا الكفن بعد وفاتي ، وسوف أبعث عارية ، وسوف أقف أمام الله عارية يوم القيامة ، فكيف يجوز ذلك في كل هذه المواقف ولا يجوز في الصلاة . كما أن الله هو البصير ، وهو يرى كل شيء ، وبالتالي فهو يراني عارية في الدنيا أيضاً ، فما الداعي للحجاب ؟ أليس من المفترض أن تكون الصلاة سهلة ! فمسألة لبس الحجاب في الصلاة بدأ يؤثر على إيماني ، ودفعني لعدم الصلاة منذ مدة ، ولا زلت لم أجد الإجابة لهذه الأسئلة . فأنا أريد الصلاة في ملابس النوم ، وهي عبارة عن بنطال وتي شيرت ، ولكنني أخشى أن يحدث شيء سيء لي إن لم أرتد الحجاب ؟
الحمد لله.
بداية نهنئك على نعمة الإسلام والإيمان ، ونسأل الله تعالى لك السعادة والتوفيق والسداد في الدنيا والآخرة .
ثم اعلمي أن العاقل هو الذي يتأمل بعدل وإنصاف ، ويتفكر بموضوعية تراعي جميع جوانب الموضوع الذي يبحثه ، كي لا يكون عرضة للتناقض والتعارض ، فيتشكك اليوم عن سبب الأمر بالستر في الصلاة ، ولو كانت السنة التكشف لسارع بالشك والوسواس والتساؤل عن سبب التكشف أيضا ، فهو حين تأمر الشريعة بالستر يعترض ، وحين تأمر بالستر يعترض ، وهكذا فإن أحاديث النفس المضطربة كثيرا ما تصلنا عبر هذا الموقع من كثير من الناس ، في دوامة لا نهاية لها سوى قطع السبيل على الشيطان ؛ ألا يفسد على المرء دينه ودنياه .
والناس جميعا يدركون أن أمر اللباس يختلف بحسب المقام ، فمقام العمل الرسمي أو الزيارة الرسمية ليس كمقام الرحلة أو المنزل ، ومقام الإنسان في الدنيا ليس كمقامه في قبره تحت التراب ، ومن يقيس هذه الأحوال على بعضها يخالف العقل السليم ، ويضرب المعايير المتزنة ببعضها بطريقة خاطئة ، ليس فيها من شرائط القياس العقلي ولا الشرعي شيء !!
تماما كما تريدين أن تقيسي في سؤالك مقامك بين يدي الله في الصلاة على حالك في القبر أو عند الحشر ، أو على حالك في لباس البيت أو النوم !! وليس ذلك فحسب ، بل ترين أن هذا القياس الباطل معضلة المعضلات ، وإحدى الكوارث التي تملكت عليك عقلك ، حتى بدأت الشكوك تتسلل إلى قلبك ، علامة على ضعف نفسي وفكري نادر ، يحتاج منك وقفات كي لا يؤثر في دنياك ، قبل آخرتك .
حسنا ، إن أردت القياس فأي الأحوال ستختارين ؟
هل ستصلين عارية تماما ، كما ولدتك أمك ، على هيئة الحشر يوم القيامة ؟
أم ستصلين في "كفن" ، وأنت في الدنيا ، كما يلف الميت في "كفنه" ؟
إن الحالة التي تريدينها : لا هي بالتي شرعها الله ، ولا هي تشبه حالة الميت في قبره ، ولا هي تشبه حالة الناس في حشرهم ؛ فلا أنت أعطيت القياس حقه ، ولا أنت وفيت للشرع بأمره !!
واسمحي لنا أن نقول إن سبب ذلك كله : لا شيء . لا شيء يستحق كل هذا التفكير ، ولا شيء يستحق كل هذه الشكوك ، الأمر أهون من ذلك ، ولو سألت أي عاقل عن الحكمة التي يتلمسها في تستر المسلم والمسلمة عند الصلاة ، لما تردد أن يقول لك إنه مراعاة لكمال الأدب مع الله سبحانه في موعد اللقاء به ، والاتصال بجنابه عز وجل ، فمن الرائع أن تلقي الله عز وجل وأنت بكامل اللباس الذي يطلبه الله منك ، ويحبه لك ، وهو الحجاب وغطاء الرأس خاصة ، مع ستر باقي أجزاء الجسم ، فقد قال الله سبحانه وتعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف/31 ، ومعنى : ( عند كل مسجد ) يعني : عند كل صلاة ، سواء كانت في المسجد أم في غير المسجد .
يقول العلامة السعدي رحمه الله : " أي : استروا عوراتكم عند الصلاة كلها ، فرضها ونفلها ، فإن سترها زينة للبدن ، كما أن كشفها يدع البدن قبيحا مشوها .
ويحتمل أن المراد بالزينة هنا : ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن ، ففي هذا الأمر بستر العورة في الصلاة ، وباستعمال التجميل فيها ، ونظافة السترة من الأدناس والأنجاس " .
انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص287) .
والصلاة مقام خطير بين يدي الله ، يناجي العبد المسلم فيها ربه ، ويتجه بعقله وفكره إلى مولاه وخالقه ، بخشوع وخضوع وسكينة ، يرجو رحمته ، ويخاف عذابه ، ويمرغ رأسه وأنفه في الأرض تذللا بين يديه عز وجل ، فلا يليق بهذا المقام العظيم إلا أن يأخذ المسلم والمسلمة اللباس التام الكامل ، الذي يليق بلقاء ملك الملوك جل وعلا ، وليس لباس النوم ، ولا لباس المهنة .
ثم لا بد أن يستقر في قلبك – وأنت المسلمة المطمئنة – أن الإسلام يعني الاستسلام لله سبحانه وتعالى ، لما ورد في كتابه الكريم ، ولما ورد في سنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ، وأن الواجب على المسلم إذا تاه عقله ، وضل قلبه أن يتعرف الحكمة في أمر من الأمور ، فإن نور الهداية الذي يسترشد به هو الوحي من الله سبحانه ، المتمثل بالكتاب والسنة ، فقد قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) الحديد/28، ويقول سبحانه وتعالى : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/52 .
فالمسلم يلتمس الهدى في الشريعة الإسلامية ، ولا يكون كمن قال الله سبحانه فيهم : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ) الحج/8. وهذا من الأركان الأساسية لمعنى الإسلام والإيمان بالله عز وجل وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس ما تصنعينه من التشكك في كل صغيرة إلى القدر الذي وصفت في سؤالك ، وليس لذلك أي مبرر ؛ وقد كان يسعك أن تصلي كما يصلي المسلمون ، ثم تسألين عما بدا لك ، لا أن تستسلمي لوساوس الشيطان وشكوكه ، حتى تتركي الصلاة بالكلية !!
إن القرآن الكريم كلام الله ، وكلام الله كله كمال وعدل وحكمة ، لا يتطرق إليه النقص بوجه من الوجوه ، وهو القائل عز وجل : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر/7، وقد أمر عليه الصلاة والسلام النساء بالتستر في الصلاة ، ولبس الحجاب غطاء الرأس ، فثبت عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ ) [ومعنى "حائض": أي التي بلغت سن المحيض ، ولم يرد به المرأة التي هي في أيام حيضها] ينظر " معالم السنن " (1/180) رواه أبو داود في " السنن " (641) ، والترمذي في " السنن " (277) وقال : " حديث حسن ، والعمل عليه عند أهل العلم : أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها " .
ويقول ابن المنذر رحمه الله :
" أجمعوا على أن الحرة البالغ تخمر رأسها إذا صلت ، وعلى أنها إن صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها إعادة الصلاة " انتهى من " الإجماع " (ص43) .
فإذا لم تسترشدي بالسنة النبوية في هذه المسألة ، فلماذا تصلين الظهر أربع ركعات وأنت لا تجدين هذا العدد في كتاب الله !! ولماذا تؤدين زكاة المال بنسبة (2.5%) وهذا الرقم أيضا ليس في كتاب الله !! بل كلها أخذها المسلمون من السنة النبوية الصحيحة ، فهو عليه الصلاة والسلام : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم/3-4.
وقد قال علماؤنا رحمهم الله ، إن الآية الكريمة ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) كانت إحدى معالم القرآن الكريم في نقل الأمم البدائية إلى التحضر والمدنية ، حيث كان العرب في الجاهلية يطوفون بالبيت عراة ، وكانت كثير من الأمم لا تعرف ثقافة اللباس وزينته ، فكان الإسلام بهذا الإلزام باللباس التام سببا في نقل حضاري هائل لدى تلك الأمم .
يقول العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله :
" هذا الأمر بالزينة عند كل مسجد - لا المسجد الحرام وحده - أصل من أصول الإصلاح الدينية والمدنية ، يعرف بعض قيمته مما روي في سبب نزول هذه الآيات ، وإنما يعرفها حق المعرفة من قرأ تواريخ الأمم والملل ، وعلم أن أكثر المتوحشين الذين يعيشون في الحرجات والغابات أفرادا وجماعات يأوون إلى الكهوف والمغارات ، والقبائل الكثيرة الوثنية في بعض جزائر البحار وجبال إفريقية ، كلهم يعيشون عراة الأجسام نساء ورجالا ، وأن الإسلام ما وصل إلى قوم منهم إلا وعلمهم لبس الثياب ، بإيجابه للستر وللزينة إيجابا شرعيا ، ولما أسرف بعض دعاة النصرانية الأوربيين في الطعن في الإسلام لتنفير أهله منه وتحويلهم إلى ملتهم ، ولتحريض أوربة عليهم ، رد عليهم بعض المنصفين منهم ، فذكر في رده أن لانتشار الإسلام في إفريقية منه على أوربة بنشره للمدنية في أهلها ، بحملهم على ترك العري ، وإيجابه لبس الثياب الذي كان سببا لرواج تجارة النسيج الأوربية فيهم .
بل أقول : إن بعض الأمم الوثنية ذات الحضارة والعلوم والفنون كان يغلب فيها معيشة العري ، حتى إذا ما اهتدى بعضهم بالإسلام صاروا يلبسون ويتجملون ، ثم صاروا يصنعون الثياب ، وقلدهم جيرانهم من الوثنيين بعض التقليد ، وهذه بلاد الهند على ارتقاء حضارة الوثنيين فيها قديما وحديثا ، لا يزال ألوف الألوف من نسائهم ورجالهم عراة أو أنصاف أو أرباع عراة ، فترى بعض رجالهم في معاهد تجارتهم وصناعتهم بين عار لا يستر إلا السوءتين ، أو ساترا لنصفه الأسفل فقط ، وامرأة مكشوفة البطن والفخذين أو النصف الأعلى من الجسم كله أو بعضه . وقد اعترف بعض علمائهم المنصفين بأن المسلمين هم الذين علموهم لبس الثياب والأكل في الأواني ، ولا يزال أكثر فقرائهم يضعون طعامهم على ورق الشجر ويأكلون منه ، ولكنه خير من كثير من سائر الوثنيين سترا وزينة ؛ لأن المسلمين كانوا حكامهم ، وقد كانوا ولا يزالون من أرقى مسلمي الأرض علما وعملا وتأثيرا في وثني بلادهم .
وأما المسلمون في بلاد الشرق التي يغلب عليها الجهل فهم أقرب إلى الوثنية منهم إلى الإسلام في اللباس وكثير من الأعمال الدينية ، ومنهم نساء مسلمي (سيام) اللاتي لا يرين في أنفسهن عورة سوى السوءتين كما تقدم آنفا ، فحيث يقوى الإسلام يكون الستر والزينة اللائقة بكرامة البشر ورقيهم.
فمن عرف مثل هذا عرف قيمة هذا الأصل الإصلاحي في الإسلام ، ولولا أن جعل هذا الدين المدني الأعلى أخذ الزينة من شرع الله - يعني أوجبه على عباده - لما نقل أمما وشعوبا كثيرة من الوحشية الفاحشة إلى الحضارة الراقية ، وإنما يجهل هذا الفضل له من يجهل التاريخ وإن كان من أهله ، بل لا يبعد أن يوجد في متحذلقة المتفرنجين منهم من يجلس في ملهى أو مقهى أو حانة متكئا مميلا طربوشه على رأسه يقول : ما معنى جعل أخذ زينة الناس من أمور الدين ، وهو من لوازم البشر لا يحتاجون فيه إلى وحي إلهي ولا شرع ديني ؟ " .
انتهى من " تفسير المنار (8/ 340-341) .
هذا وقد سبق في موقعنا العديد من الفتاوى التي تبين لباس المرأة في الصلاة ، يمكنك مراجعتها في الأرقام الآتية : (11073) ، (69804) ، (32993) .
والخلاصة : أن مقام الصلاة بين يدي الله مقام جليل وعظيم ، يقتضي من المسلمة استكمال الحجاب فيه مراعاة لكمال الأدب مع الله ، بخلاف لباس البيت الذي يتخفف فيه الإنسان بعض الشيء ، هذا فضلا عن أن المسلم يتلقى النور والهداية من القرآن الكريم والسنة الصحيحة ، ولا يجعل رأيه وشكه حكما على هذا الوحي الذي جاء من عند الله .
والله أعلم .