كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني على ربه تعالى في خطبه ودعائه؟
قرأت فى الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخطب في الناس ، كان "يحمد الله عز وجل ويثنى عليه بما هو أهله " ، فهل رُوى في الأحاديث الصحيحة ماذا كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما يثنى على الله جل شأنه بما هو أهله ؟
إن كانت الإجابة بنعم، فأرجو منكم كتابة كل ما ثبت في ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على رب العزة سبحانه .
وهل لي أن أستفيد بمثل هذا الثناء ، كأن أقوله في دعاء الاستفتاح في الصلاة مثلا أو قبل أن أدعو الله عز وجل ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطب خطبة إلا ابتدأها بالحمد لله والثناء
عليه بما هو أهله ، وهذا ثابت في أحاديث كثيرة ، في الصحيحين وغيرهما .
وقد روى أبو داود (4841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ، فَهِيَ
كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
( فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ ) أَيْ: الْمَقْطُوعَةِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ
فِيهَا لِصَاحِبِهَا .
والتشهد يطلق على الشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
بالرسالة (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله) ، ثم صار يستعمل كل ثناء
على الله وحمدٍ له . انظر : " فيض القدير" (5/24) .
ومعنى الحديث : أن الخطبة التي ليس فيها ثناء على الله تعالى ليس فيها فائدة ،
وأعظم الثناء لله تعالى الشهادة لله بالوحدانية .
ولذلك قال ابن القيم رحمه الله :
" كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يَخْطُبُ خُطْبَةً إِلَّا افْتَتَحَهَا بِحَمْدِ
اللَّهِ " .
انتهى من "زاد المعاد" (1/ 179) .
وقال ابن رجب رحمه الله :
" خطبة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تشتمل على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله
، وعلى الشهادة لله بالتوحيد ، ولمحمد بالرسالة " انتهى من " فتح الباري" لابن رجب
(8/ 267).
وكان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يبتدئ خطبته بما يعرف بــ " خطبة الحاجة " وهي
أحسن ما ورد في حمد الله والثناء عليه .
ولفظها : ( إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ،
وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ
سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ) رواه أبو
داود (2118) ، والنسائي (1578) ، وابن ماجة (1892) .
وهذه الخطبة لعظمها فإنها تستحب أن تذكر قبل عقد النكاح وفي مجالس الصلح بين
المتنازعين، وافتتح العلماء بها كتبهم وخطبهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَلِهَذَا اُسْتُحِبَّتْ وَفُعِلَتْ فِي مُخَاطَبَةِ النَّاسِ بِالْعِلْمِ
عُمُومًا وَخُصُوصًا: مِنْ تَعْلِيمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِقْهِ فِي
ذَلِكَ ، وَمَوْعِظَةِ النَّاسِ وَمُجَادَلَتِهِمْ ، أَنْ يَفْتَتِحَ بِهَذِهِ
الْخُطْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ النَّبَوِيَّةِ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/ 287) .
وينظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (105393)
.
ثانيا :
دعاء الاستفتاح وردت له صيغ كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، راجع " صفة صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم " للشيخ الألباني رحمه الله .
فيستفتح المصلي ببعضها ، ويقتصر عليها ، وينوع بينها ، فتارة يأتي بهذا ، وتارة
يأتي بهذا ، ولا يستفتح بغير ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الرسول صلى
الله عليه وسلم قال: ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) رواه البخاري (631)
، فلا ينبغي للمسلم أن يترك أدعية الاستفتاح الواردة في السنة ، ويستفتح بخطبة
الحاجة مثلا .
وقد سبق ذكر بعض أدعية الاستفتاح في الفتوى رقم : (66558)
.
ثالثا :
يسن افتتاح الدعاء بالثناء على الله تعالى .
قَال النَّوَوِيُّ رحمه الله : " أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ
ابْتِدَاءِ الدُّعَاءِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ
الصَّلاَةِ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من "
الأذكار" (ص117) .
ويحصل الثناء على الله تعالى بأي ألفاظ فيها وصف الله تعالى بالكمال وتنزهه عن
النقص . ( كالحمد لله ، وسبحان الله) ونحو ذلك .
وأدعية النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بالثناء على الله تعالى ، بذكر أسمائه
الحسنى وصفاته العلى ، منها :
( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ
وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) رواه البخاري (6346) ، وكان
يقوله عند الكرب .
( اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ وَرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ
شَيْءٍ وَفَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
وَالْقُرْآنِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ
بِنَاصِيَتِهِ ، أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْآخِرُ
فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ، وَالظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَالْبَاطِنُ
فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ ، وَأَغْنِنِي مِنْ الْفَقْرِ )
كان يأمر به صلى الله عليه وسلم أن يقوله المسلم إذا أخذ مضجعه (عند النوم) ، رواه
الترمذي (3400) وصححه الألباني .
والنصيحة للسائلة أن تقتني كتاب الأذكار للنووي رحمه الله فقد جمع فيه ما كان يدعو
به النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات والأحوال المختلفة .
والله أعلم .