الحمد لله.
وقد روى البخاري (4635) –
واللفظ له - ، ومسلم (157) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا
، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا ، فَذَاكَ حِينَ : ( لَا يَنْفَعُ
نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ) ) .
وروى مسلم (2759) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ
مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ
، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَابَ
قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) رواه
مسلم (2703) .
ثانياً :
ذكر بعض أهل العلم رحمهم الله : أن غلق باب التوبة عند طلوع الشمس من مغربها ، إنما
هو خاص بأهل ذلك الزمان الذين أدركوا ذلك الحدث العظيم ، فلو تطاول الزمان بعد ذلك
حتى نُسي ذلك الخبر ، أو كان يخبر عنه آحاد من الناس : صحت التوبة والإسلام في ذلك
الزمان .
غير أن هذا القول ضعيف ،
والأحاديث تدل على أن باب التوبة يغلق بطلوع الشمس من مغربها مطلقا ، ولم يرد فيها
أنه يفتح بعد ذلك .
ولذلك رد الحافظ ابن حجر رحمه الله هذا القول ، فقال : " وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة
تُخَالِفهُ ؛ فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ : ( مَنْ تَابَ
قَبْل أَنْ تَطْلُع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا تَابَ اللَّه عَلَيْهِ ) ؛
فَمَفْهُومه أَنَّ مَنْ تَابَ بَعْد ذَلِكَ لَمْ تُقْبَل . وَلِأَبِي دَاوُدَ
وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيث مُعَاوِيَة رَفَعَهُ : ( لَا تَزَال تُقْبَل
التَّوْبَة حَتَّى يَطْلُع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا ) وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ ... " .
ثم ذكر أحاديث أخرى وآثارا عن الصحابة بهذا المعنى ثم قال : " فَهَذِهِ آثَارٌ
يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّمْس إِذَا طَلَعَتْ مِنْ
الْمُغْرِب أُغْلِقَ بَابِ التَّوْبَة وَلَمْ يُفْتَح بَعْد ذَلِكَ ، وَأَنَّ
ذَلِكَ لَا يَخْتَصّ بِيَوْمِ الطُّلُوع بَلْ يَمْتَدّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة "
انتهى من " فتح الباري " (11/363) .
وعلى هذا ، فليس هناك من الأدلة الشرعية ما يدل على أن باب التوبة إذا أغلق يفتح مرة أخرى .
ثالثا :
أما السؤال عمن ولد بعد طلوع الشمس من مغربها فيشبه أن يكون فيه شيء من التكلف
والتعمق الذي نهينا عنه ، لاسيما ونحن لا ندري كم يبقى بعد طلوع الشمس من مغربها
حتى تقوم الساعة ؟
وقد ورد عن بعض السلف أنها عدة أشهر ، وورد غير ذلك . فالله أعلم .
غير أن الذي ثبت عن الرسول
صلى الله عليه وسلم أن علامات الساعة الكبرى إذا ظهرت ، فهي متتابعة كحبات العقد ؛
إذا انقطع تساقطت حباته واحدة تلو الأخرى .
فروى أحمد (6743) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْآيَاتُ
خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ ؛ فَإِنْ يُقْطَعْ السِّلْكُ يَتْبَعْ بَعْضُهَا
بَعْضًا ) ، صححه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (1762) .
فعلى المسلم أن ينشغل بما ينفعه ، ويستعد لذلك اليوم بالتوبة والاستقامة على أمر الله ، ويدع تكلف المسائل ، وقدح زناد العقل في الأغاليط ، وما لا نفع له في دينه .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى .
والله أعلم .