صليت بجانب شخص في أحد المساجد , فسمعته يقول دعاءين من أدعية الاستفتاح , فهل قال بذلك أحد من أهل العلم ؟
الحمد لله.
الذي يظهر من السنة أن المصلي يقتصر على دعاء واحد من أدعية الاستفتاح .
فقد روى البخاري (744) ، ومسلم (597) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً ، فَقُلْتُ : بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ ، مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : أَقُولُ : ( اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين : هل يجمع الإنسان بين نوعين من دعاء الاستفتاح ؟
فأجاب رحمه الله : " لا يجمع بين نوعين من دعاء الاستفتاح ؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ...... وذكر الحديث المتقدم .
ثم قال :
فالنبي عليه الصلاة والسلام ما أجابه عندما سأله ما يقول إلا بواحد فقط ، فدل هذا على أنه ليس من المشروع الجمع بين الأنواع " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (13/112) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" السنة أن ينوع في الاستفتاح ، ولم يكن النبي يجمعها عليه الصلاة والسلام ، تارة يستفتح بما جاء في حديث عمر : ( سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ) ، وتارة ما جاء في حديث أبي هريرة : ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي ..... إلى آخر الحديث) ، وهو في الصحيحين .... " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن باز (8/172) .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا حرج في الجمع بين أدعية الاستفتاح في الصلاة الواحدة .
فقد جاء في " الموسوعة الفقهية " (4/52) :
" مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَجَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ , مِنْهُمْ أَبُو إسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ , وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ , وَهُوَ اخْتِيَارُ الْوَزِيرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ : أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ الْوَارِدَتَيْنِ " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك . . . " " وَوَجَّهْتُ وَجْهِي . . . " ....
وَقَدْ اسْتَحَبَّ النَّوَوِيُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْتَاحُ بِمَجْمُوعِ الصِّيَغِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا ، لِمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا , وَلِلْإِمَامِ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَأْمُومُونَ " انتهى .
وقد سئل الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي : هل يجوز جمع روايات دعاء الاستفتاح في الصلاة ، أم يقتصر على رواية واحدة ؟
فأجاب حفظه الله :
" الذي اختاره جمعٌ من المحققين أنه يُنَوِّع ، فيدعو بهذا تارةً ويدعو بهذا تارة ؛ لأن الخلاف هنا خلاف تنوع ، وليس بخلاف تضاد ، وبناءً على ذلك ينوع ، فيصلي بهذا تارة ويصلي بهذا تارة ؛ لأنه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما لو جمع الجميع في موضع واحد ، فللعلماء وجهان : الوجه الأول : اختار الإمام النووي رحمه الله أنه لا حرج في الجمع بين هذه الأدعية .
والوجه الثاني : اختار شيخ الإسلام وغيره : أن الجمع بينهما لم يرد ، فلذلك يقتصر على الوارد.
والأولى والأحوط أن الإنسان يقتصر على الوارد ، فيصلي بهذا تارة وبهذا تارة ، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والله تعالى أعلم " انتهى من " شرح زاد المستقنع للشيخ الشنقيطي ".
والله أعلم .