هل يكلم الله تعالى أهل الجنة ويكلمونه ؟

25-04-2015

السؤال 225591


هل يحظى أهل الجنة في الجنة بفرصة الحديث مع الله تبارك وتعالى متى شاءوا وكيف شاءوا ؟

الجواب

الحمد لله.


دلت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية المتواترة أن الله تعالى يكلم أهل الجنة ويكلمونه ، وأنهم يتنعمون بسماع كلامه .
قال الله تعالى : (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يس/55-58 .
ففي هذه الآية الكريمة : أن الله تعالى يسلم على أهل الجنة .

قال القاسمي :
" (سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) أي : ولهم سلام ، يقال لهم قولا كائنا منه تعالى.
والمعنى : أنه تعالى يسلم عليهم تعظيما لهم . كقوله: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) الأحزاب/44 " انتهى من " محاسن الـتأويل " (8/190) .
وقال السعدي رحمه الله :
"ولهم أيضا ( سَلامٌ ) حاصل لهم ( مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) ففي هذا : كلام الرب تعالى لأهل الجنة وسلامه عليهم ، وأكده بقوله: ( قَوْلا ) وإذا سلم عليهم الرب الرحيم ، حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه ، وحصلت لهم التحية، التي لا تحية أعلى منها، ولا نعيم مثلها، فما ظنك بتحية ملك الملوك ، الرب العظيم، الرءوف الرحيم، لأهل دار كرامته ، الذي أحل عليهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم أبدا، فلولا أن اللّه تعالى قدر أن لا يموتوا، أو تزول قلوبهم عن أماكنها من الفرح والبهجة والسرور، لحصل ذلك.
فنرجو ربنا أن لا يحرمنا ذلك النعيم ، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم " .
انتهى من " تفسير السعدي " (ص697) .

وروى ابن جرير الطبري في تفسيرة (29450) عن مُحَمَّد بْن كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ : " أنه حدث عن عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أنه قَالَ : إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ ، أَقْبَلَ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلاَئِكَةِ ، قَالَ : فَيُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ، قَالَ الْقُرَظِيُّ : وَهَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ : (سَلاَّمٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) فَيَقُولُ : سَلُونِي ، فَيَقُولُونَ : مَاذَا نَسْأَلُكَ ، أَيْ رَبِّ ؟ قَالَ : بَلْ سَلُونِي ، قَالُوا : نَسْأَلُكَ أَيْ رَبِّ رِضَاكَ ، قَالَ : رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارَ كَرَامَتِي . "
" تفسير الطبري " (19/468) ، " اجتماع الجيوش الإسلامية " لابن القيم (ص162) .

وأما الأحاديث التي تثبت أن الله تعالى يكلم أهل الجنة ويكلمونه فهي كثيرة جدا .
منها : ما رواه البخاري (2348) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ: ( أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، قَالَ: فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ )، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: " وَاللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا، أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ " فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
- وروى البخاري (6549) ، ومسلم (2829) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ؟ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ) .
- وروى مسلم (181) عَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ) .

وقد نص أهل العلم أن الله تعالى يكلم أهل الجنة في الجنة ، ويسلم عليهم :
- فقال ابن قدامة رحمه الله في "لمعة الاعتقاد" (ص 15):
" ... وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه ، ويأذن لهم فيزورونه " انتهى .

وقال الشيخ عبد الرحمن المحمود :
" الثابت: أن الله يكلم أهل الجنة ويكلمونه ، وهذا ورد في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من "شرح لمعة الاعتقاد" (6/ 15) بترقيم الشاملة .

وقال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا :
" ولهم زيارة أخرى أعلى من هذه وأجل ، وذلك حين يزورون ربهم تبارك وتعالى ، فيريهم وجهه ، ويسمعهم كلامه ، ويحل عليهم رضوانه " انتهى من "حادي الأرواح" (ص 263) .
وينظر أيضا : "مختصر الصواعق المرسلة" (ص 502) .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" وأهل السنة والجماعة يؤمنون أيضا بكلام الله ، وأنه يكلم أهل الجنة ، ويكلم عباده يوم القيامة، ويسمعون كلامه سبحانه وتعالى ، ويسلم على أهل الجنة ".
انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (28/ 39) .

فثبت بذلك أن أصحاب الجنة يكلمون ربهم سبحانه ، ويكلمهم ، ويسألونه فيعطيهم .

ولكن لا يقال : متى شاءوا ، وكيف شاءوا ، وإنما يقال : متى شاء الله ، وكيف شاء سبحانه ، وتفاصيل ذلك كله من أمر الغيب الذي لم يبلغنا به خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والله تعالى أعلم .

الجنة والنار
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب