الحمد لله.
أولا :
سبق بيان حكم التدخين وأنه من المحرمات لما فيه من إضرار بالنفس وإتلاف للأموال ،
وراجع للفائدة الفتوى رقم : ( 9083 ) ، ورقم : (
10922 ) ، ورقم : (
127312 ) .
ثانيا :
الشيء إذا ثبت تحريمه ، فالواجب على المسلم أن يبتعد عنه وينكره بقلبه ، وأن يساهم
في إنكاره وتغييره والنهي عنه ، بيده ولسانه بقدر استطاعته .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ
بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ) رواه مسلم ( 78 ) .
ولا يجوز له أن يعين على هذا المنكر بوجه من الوجوه ، قال الله تعالى : (
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )المائدة / 2.
وبناء على هذا ؛ فيحرم عليك عمل الدراسة المتعلقة بشركات التبغ من أجل تحسين
مبيعاتها ، أو غيرها من الشركات التي تتعامل في المحرمات ، وذلك لعدة أمور :
الأول : هذا العمل فيه إعانة على نشر المنكر وتكثيره .
الأمر الثاني : فيه مشاركة في إلحاق الضرر بنفوس وأموال عدد كبير من المسلمين بغير
وجه حق ، وكل ضرر يلحقه الإنسان بغيره بغير وجه حق فهو منهي عنه . لقول النَّبيَّ
صلى الله عليه وسلم : ( لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ ) رواه ابن ماجه ( 2340 ) من حديث
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه .
الأمر الثالث : في هذا العمل غش للمسلمين ، والمسلم مأمور بالنصح لهم .
فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه ؛: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) ، قُلْنَا: لِمَنْ ؟ قَالَ: (
لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )
رواه مسلم ( 95 ) .
ومن النصيحة للمسلمين : أن ينشر بين المسلمين بيان مضار التدخين ومخاطره ويساهم –
إذا كان مستطيعا - في البحث عن الوسائل التي تساعد المبتلى به ليقلع عنه .
والمسلم الذي ينشر بين المسلمين التدخين ويساعد على إنجاح طريقة تسويقه ليس بناصح
للمسلمين ، بل هو غاش لهم .
وبناء على ما سبق ؛ عليك أن تجتهد مع مدير المؤسسة ليكلفك بأن تختص بدارسة ما
يتعلق بالشركات النقية ، التي تكون أعمالها ، أو أغلب أعمالها ـ على الأقل ـ مباحة
.
فإذا تعذر ذلك فعليك بالبحث عن عمل آخر ؛ فلا يصح أن يرفع المسلم عن نفسه مضرة
الفقر ، بعمل محرم ، خاصة إذا كان فيه مضرة على إخوانه المسلمين ، بل عليك بتقوى
الله تعالى واللجوء إليه فإنه هو الرزاق الكريم .
قال الله تعالى : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق/
2-3.
قال الشيخ السعدي – رحمه الله تعالى - :
" فكل من اتقى الله تعالى ، ولازم مرضاة الله في جميع أحواله ، فإن الله يثيبه في
الدنيا والآخرة .
ومن جملة ثوابه : أن يجعل له فرجًا ومخرجًا من كل شدة ومشقة .
وكما أن من اتقى الله ، جعل له فرجًا ومخرجًا ، فمن لم يتق الله ، وقع في الشدائد
والآصار والأغلال ، التي لا يقدر على التخلص منها والخروج من تبعتها " .
انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " ( ص 1026 ) .
نسأل الله تعالى الجواد الكريم أن يزيل همك ويرزقك من فضله .
والله أعلم .