تزوجت من فتاة دون إذن ولي أمرها بعد أن استفتيت أحد العلماء وأخبرني أنه يجوز لي الزواج منها دون إذن وليها ، وأنه يمكنني لاحقاً بعد أن يوافق ولي أمرها تجديد عقد الزواج ، ولكنني اكتشفت بعد النكاح أن النكاح باطل دون موافقة الولي ، وقد جعلني ذلك في حيرة فأنا لا أعرف إن كان زواجنا صحيحاً أم لا ، فما حكم هذه الزواج ؟ وهل يقع الطلاق إن حدث خلال هذه الفترة ، حيث قلت لها وهي حائض : " أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق" ؟ وهل يقع الطلاق ثلاثاً ؟ مع العلم أنّ الفتاة تواصلت مع إحدى المنظمات الإسلامية ، والتي أخبرتها أنّ عقد النكاح باطل ، وأن الطلاق لم يقع من الأصل ، وأنه يجب عليها أن تحتجب عني ، وهو ما حصل منذ ذلك اليوم ؟ ولكن بعد 3-4 أشهر من تلك الحادثة ، قلت لنفسي إنني طلقتها مرة ولذلك أرجعتها ، ولكن عندما فكرت أنه من الممكن أن تتزوج من رجل آخر خلال هذه الفترة ، طلقتها مرة أخرى حتى لا تقع في الحرام إن تزوجت من رجل آخر ، فماذا يجب علي فعله ؟
الحمد لله.
ما أخبرك به هذا الرجل من جواز زواجك من هذه الفتاة دون علم وليها يوافق مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى , ولكنه يخالف القول الراجح ، وما عليه جماهير الأمة من اشتراط الولي لصحة عقد النكاح .
ولكن إذا وجد بلد ما يقلد أهله مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، فإنه يحكم لهم بصحة أنكحتهم التي تمت دون ولي , وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (132787) .
وكذلك من أقدم على الزواج بدون ولي معتقدا صحته – كحالك أنت ، عندما أقدمت عليه بناء على فتوى بعض أهل العلم – فيحكم له بصحة النكاح , وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (125363) .
وبهذا تعلم أن طلاقك لزوجتك طلاق صحيح واقع من حيث الأصل ؛ لأنك طلقت زوجتك ، بعد نكاح تعتقدان صحته .
لكن يبقى النظر في وقوعه حال الحيض ، وهل يقع ثلاثا أو واحدة ؟
والفتوى المعتمدة عندنا أن الطلاق في الحيض لا يقع ، لا واحدة ولا أكثر , وأن الزوج إذا جمع الطلقات الثلاث معا فإنها تقع طلقة واحدة .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (172162) ، والفتوى رقم : (126549) .
لكنك ذكرت أنك بعد فترة من الطلاق قد اعتمدت هذا الطلاق ، وأرجعتها بناء على ذلك , وعليه ، فإن الطلاق يحتسب ، ويكون طلقة واحدة .
وإرجاعك لها : إن كان في العدة فهو ارتجاع صحيح ، وإن كان بعد انتهاء العدة فلا يصح ، لأن زوجتك حينئذ تكون قد بانت منك .
وإنما كان الحكم كذلك لأن المحققين من أهل العلم قد نصوا على أن الرجل إذا طلق طلاقا بدعيا (كالطلاق في الحيض) ، ثم اعتد به ، بناء على اجتهاد منه ، أو تقليد لمن يقول بوقوعه : فإنه يحتسب عليه , خاصة مع قوة الخلاف في أصل المسألة ، وقول جماهير أهل العلم بوقوع الطلاق البدعي .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (158115) .
وينبغي أن يُعلم أن عدة المرأة المطلقة هي ثلاث حيضات ، فإن انتهت الحيضة الثالثة ، فقد انتهت عدتها ، ولا رجعة لزوجها عليها إلا في فترة العدة فقط ؛ لقول الله تعالى : ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ) - أي في مدة العدة – ( إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا ) البقرة /228 .
فجعل الله تعالى أزواج المطلقات أحق برجعتهن في مدة العدة إذا أرادوا بالرجعة الإصلاح .
أما الطلاق الثاني الذي أوقعته عليها بعد ثلاثة أشهر أو أربعة – كما ذكرت – فإن كانت رجعتك لها صحيحة ، لكونها حصلت في فترة العدة : فهذا الطلاق واقع . وبذا تكون قد طلقتها تطليقتين , فلك أن تراجعها ما دامت في العدة ، وتبقى لك الطلقة الثالثة .
أما إن كانت رجعتك لها غير صحيحة ، لكونها حصلت بعد انتهاء عدتها ، فهذا الطلاق الثاني لغو لا يحتسب عليك ؛ لأن المرأة بانتهاء عدتها من الطلاق تكون قد بانت من زوجها ، فلا يلحقها طلاقه ولا ظهاره , لأنها بانتهاء العدة صارت أجنبية عنه .
جاء في " فقه السنة " لسيد سابق رحمه الله (2/ 252) :
" فلو قال لامرأة لم يسبق له الزواج بها : " أنت طالق " يكون كلامه لغوا لا أثر له ، وكذلك الحكم فيمن طُلِّقت وانتهت عدتها ، لأنها بانتهاء العدة تصبح أجنبية عنه " انتهى .
وفي هذه الحالة إن أردت الزواج بها مرة أخرى ، فإنه يجوز لك ذلك بعقد ومهر جديدين وفي وجود وليها .
والله أعلم .