هل يجوز لي كصاحب عمل أن أقوم بتركيب كاميرات المراقبة وذلك لأمرين : 1- مراقبة سير العمل وقيام الموظفين بواجباتهم . 2- كشف حالات السرقة في حال حدوثها وحفظ المحل من الناحية الأمنية. وهل يجوز تركيبها بدون علم الموظفين ؟
الحمد لله.
يجوز لصاحب العمل أن يضع كاميرات لمراقبة عمل الموظفين تحت إدارته ، بشرط أن يكونوا على علم بوجود الكاميرات ؛ لئلا يطلع منهم على عورة أو تصرف لا يحتشم فيه أحدهم من نفسه ، لوثوقه من اختفائه عن أعين الناس .
فإنْ وُضعت الكاميرات دون علمهم كان هذا عين التجسس المنهي عنه ، بنص كتاب الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا ) الحجرات/ 12 .
وبنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ) . أخرجه البخاري (5144) ، ومسلم (2563) .
والتجسس : البحث عن عيوب الناس وعوراتهم .
والمصلحة التي تطلب من وضع الكاميرات لضبط الموظفين وحماية المنشأة من اللصوص – تحصل على وجهها بوضع الكاميرات ، مع إعلامهم بوجودها ، وما زاد على ذلك فهو من التجسس وتتبع العورات .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
"التجسس : طلب المعايب من الغير ، أي : أن الإنسان ينظر ، ويتصنت ، ويتسمع ، لعله يسمع شرًّا من أخيه ، أو لعله ينظر سوءاً من أخيه ، والذي ينبغي للإنسان أن يُعرض عن معايب الناس ، وأن لا يحرص على الاطلاع عليها ... فلا ينبغي للإنسان أن يتجسس ، بل يأخذ الناس على ظاهرهم ، ما لم يكن هناك قرينة تدل على خلاف ذلك الظاهر " .
انتهى من " تفسير سورة الحجرات " (ص50 ، 51) .
وإذا كان الوعيد الشديد قد جاء فيمن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون بأن يصب في أذنه الآنك [الرصاص المذاب] ، كما جاء في صحيح البخاري (7042) ، فكيف بمن جعل جهازا يصور هذا الموظف طيلة فترة وجوده في مقر العمل ، فيتتبع حركاته وسكناته ، ويحتفظ بهذا التسجيل ، وقد يكون الموظف خاليا ، أو مطمئنا إلى احتجابه عن أعين الناس ، فيتصرف تصرفا ليس محرما في ذاته ، ولا مسقطا لمروءة من يصدر منه حال كونه خاليا ، أو بين أهله وولده ، لكنه معيب مبتذل لمن يعمله أمام الناس ، فيستغل رب العمل هذا المقطع ، ويهدد الموظف بنشره أو التشهير به أو يبتزه به ، إلى غير ذلك من المساوئ التي هي أشد من مجرد الاستماع إلى حديث عابر بين شخصين يكرهان استماعه .
وإذا كان صاحب العمل لا يرضى ذلك لنفسه أو لأحد من أولاده ، فعليه كذلك ألا يرضاه لغيره من الناس ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ) أخرجه مسلم (1844) .
ومن سوّغ لنفسه التجسس على الناس وتتبع عوراتهم ، واختلق لذلك المبررات ، فهو مهدد بجزاء من جنس عمله ، بأن يتتبع الله عورته ويفضحه ، كما جاء في الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : " صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ ، فَقَالَ : ( يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ : لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ : تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ ، وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ ) . رواه الترمذي (2032) ، وصححه الألباني .
والله أعلم .