اليأس من صلاح النفس هل يقود إلى القنوط من رحمة الله ؟

04-11-2015

السؤال 238438


أنا شاب عادي غير ملتزم ولي أخطاء كثيرة ، محافظ على الصف الأول لجميع الصلوات من عامين حتى الآن ـ والفضل لله ـ ، أصلي السنن الراتبة ، وأتصدق يومياُ، كافل يتيم ، أصوم نافلة، أقرأ القرآن يومياُ، أصلي قيام، أذكر الله دائماُ، استغفر 10000 مرة تقريباُ في اليوم ، لا أغتاب أكثر أحياني إلا في بعض أوقات الغضب ، أُفقه نفسي الدين من خلال الدروس والكتب، أحاول أن أغض البصر. والله يعلم أقول هذا ليس غيبة ولا عٌجب بالنفس بالعكس بل أريد أن أعرف لماذا مع هذه العبادات التي منً الله بها علي أميل إلى اتباع الهوى ؟ دائماً أدعوا الله أن يجنبني الفتن والشهوات وإتباع الهوى والرياء والنفاق، أُذنب ذنباُ بشعاُ كل فترة طويلة ، ثم أندم ندماُ شديداُ وأتوب إلى الله، كررت الذنب 6 مرات وتبت إلى الله أرجو الله أن يتقبلها توبةً نصوحا ، أتاني إحباط من نفسي ، يأس من صلاح النفس ، صرت أكره نفسي ، أرى نفسي إنسانا فاسداُ أتمنى أن أموت قبل أن أذنب هذا الذنب مرة أخرى ، أحب طاعة الله ، أتلذذ بطاعته عز وجل أذهب إلى الصلاة بشوق، أنتظر الصلاة لأرتاح بها والله ، لكن لا أستطيع أن أصد هواي مرات كثيرة حتى بالعبادة أو بالدعاء ولا ألوم الله عز وجل بل نفسي والشيطان. وسؤالي:

هل اليأس من صلاح النفس يوافق القنوط من رحمة الله أو يعارضها ؟

الجواب

الحمد لله.


نعم ، اليأس من صلاح النفس وكفّها عن المعاصي قد يقود إلى القنوط من رحمة الله ، لأن الله تعالى يقول : ( قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .
فعَلِم اللهُ أن من العباد من ييأس من رحمته لكثرة ذنوبه أو إصراره على ذنب معيّن ، فطَمْئَنَهم وأخبرهم أنه يغفر الذنوب مهما تعدَّدت وكثُرت ، أو عظُمت وتكرَّرت .

وحينئذ ، فالحذر الحذر من أن تيأس من صلاح حالك ، أو تُصاب بإحباط ، فإن ذلك سيُفرِح الشيطان ، ويعظِّم المعصيةَ في نفسك ، ويصغِّر طاعاتك في نظرك ، حتى تزهد فيها أمام تلك المعصية فتترك التوبة والطاعات بالكلية.
بل استمر على ما أنت عليه من الطاعات ، وثابر عليها، وتُب إلى الله كلما فارقت معصية ، فإن عُدت وكررتها تُب المرة الثانية والثالثة وهكذا ، ولا يملّ الله حتى يمل العبد، والله يحبّ عباده التوابين، قال الله تعالى : ( إن الله يحبّ التوابين) البقرة / 222، وقال جل شأنه : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) آل عمران/ 135 .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) . حسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه "(3427) .
لكن الذي يجب عليك حقا : ليس هو الاستسلام إلى اليأس من صلاح النفس ، فهذا حل مريح لها ، وإطلاق لعنان الهوى والشهوات .
بل أن تقف مع نفسك وقفة جد ، تغير بها نمط حياتك ، وتنظر : من أين ينفذ الشيطان إليك ، فيوقعك المرة بعد المرة .
فإن كانت فتنتك في النساء : فتزوج ، واحدة ، وأكثر من ذلك ، إن قدرت عليه ، واحتجت إليه .
وانظر إلى سبل الغواية ، من أين تنفذ إليك سهام عدوك ؛ فإن كان من صحبة السوء : فغيرها ، وإن كان من بلدك ، فاهجرها ، وابحث عن بلد وصحبة تعينك على نفسك ، وهواك وشيطانك .
فاحذر من الأمرين من اليأس والقنوط ومن ترك نفسك فريسة للإهمال والتفريط ، فلا تعالج داءها ، بل تظل تسهل لها خطوات الشيطان ، وتدع منافذك مفتوحة مشرعة أمام عدوك ، حتى إذا أصاب منك المقتل ، وكانت الداهية : جلست تبكي ، كما يفعل العجزة والضعفاء ، وتندب حظك ، وتشكو حالك .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وأضر ما عليه : الإهمال ، وترك المحاسبة ، والاسترسال ، وتسهيل الأمور ، وتمشيتها ؛ فإن هذا يؤول به إلى الهلاك .
وهذه حال أهل الغرور: يغمض عينيه عن العواقب ، ويمُشِّى الحال، ويتكل على العفو، فيهمل محاسبة نفسه ، والنظر في العاقبة.
وإذا فعل ذلك : سهُل عليه مواقعة الذنوب ، وأنس بها، وعسُر عليها فطامها !!
ولو حضره رشده : لعلم أن الحِمْية أسهلُ من الفطام ، وترك المألوف والمعتاد".
انتهى من "إغاثة اللهفان" .

ولا يُظن بك مع هذا الحرص على الخير والعبادات وكفالة اليتيم أن تكون من هؤلاء ولا هؤلاء، فالتفت إلى نفسك وراقب مواطن الخلل والضعف منها ، أحسن الظن بربك فإنه القائل (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60]

وانظر أجوبة الأسئلة أرقام : (9231) ، (45887) ، (214787) .
والله أعلم .

التوبة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب