الحمد لله.
أولا :
من المعلوم أن الله الذي خلق الإنسان وركب فيه الشهوة ، عليم سبحانه بضعفه أمامها ، لذلك فقد شرع لنا سبحانه وسائل للابتعاد عن الوقوع بسببها في الحرام ، وجعل لنا دواء بعد الوقوع كي لا نمضي في طريق الذنب ، غافلين تائهين ، مستلبين بأوامر الشيطان والنفس الأمارة بالسوء .
وأصل الخير والنجاة في ذلك : مجاهدة النفس قبل الوقوع في الذنب ، والابتعاد عن كل ما يهيج العبد على المعصية ، أو يدفعه إليها ، أو يعينه عليها ، أو يزينها له ؛ إن العبد يحتاج في كل حين إلى أن يفر بدينه إلى ربه ؛ يفر به من النفس الأمارة ، ومن رفقاء السوء ، ومن بيئة السوء ، يفر من عذاب الله ، إلى رحمته ورضوانه .
فإذا ما وقع في الذنب ، فليس له من علاج سوى التوبة النصوح ، والأوبة إلى ربه ، والعودة إليه ، عاجلا غير آجل ، قبل أن يدركه الموت ، وهو على تلك الحال ، أو تحوطه المعصية ، ويحال بينه وبين التوبة :
روى البخاري (7065) ، ومسلم (2758) ، واللفظ له ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : ( أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي .
فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ .
ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي .
فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ .
ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي .
فَقَالَ : تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ؛ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ ) .
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث ، ونحوه من أحاديث الباب :
" وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لَهَا ، وَأَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْبُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ ، وَتَابَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ، قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ ، وَسَقَطَتْ ذُنُوبُهُ " انتهى من " شرح مسلم" للنووي (17/230) .
وحينئذ ؛ فمدار أمرك في حقيقته على التوبة النصوح : التي هي الإقلاع عن ذنبك كله ، وتوطين النفس ، وشد العزم على عدم العود إليه مرة أخرى ، والأخذ بالأسباب المعينة على ذلك ، مع الندم على ما سلف منك ، والاستغفار منه .
وأما أن تفكري في حرق نفسك ، أو قتل نفسك ، أو التمادي في المعصية ، أو ... فهذا كله علاج خطأ بجريمة هي أضعاف ذلك الخطأ ، كمن يؤذيه حر الصيف ، فيرمي نفسه في جحيم النيران ؛ فهل يفعل ذلك عاقل ؟!
ثانيا :
ليس هناك وصفة سحرية ينصح بها، ولكن هناك جد ومثابرة وصبر واحتساب من أجل التوبة النصوح ، ومفارقة هذا الذنب ، ومعها بعض الطرق العملية التي تعينك على ذلك ، إن شاء الله :
- الزواج ، فهو أفضل وأعظم علاج لذلك ، بل هو أعظم مقاصد تركيب هذه الشهوة في بني آدم : أن تحملهم على الزواج والالتئام ، وطلب النسل والذرية ، ليبقى نوع بني الإنسان في هذه الأرض ، إلى أن يأذن الله بأمره ؛ فعجلي به يا أمة الله ، ولا تردي خاطبا ملائما لك بحجة الدراسة ، أو التفرغ لعمل ، أو غير ذلك من الأعذار الواهية ، بل الزواج مقدم في حقك على ذلك كله ؛ بل لا مانع أن تسعي أنت إلى ذلك ، بتوسيط بعض الناصحات المخلصات ذوات الدين ، اللاتي يعنيهن أمرك ، ويحرصن على عفتك ؛ وتلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمثالك من الشباب : ( يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فلْيَتَزَوَّج ؛ فإنه أغضُّ للبصَر ، وأحصن للفرج ، ومَن لم يستطِع فعليه بالصَّوم، فإنه له وِجَاءٌ ) متفق عليه.
- الابتعاد عن الأفلام والمسلسلات والقصص الغرامية التي تثير الشهوة ، أو مواقع النت الإباحية ، أو كل ما يثير الرغبة ويحركها فيك ، من المناظر ، والسماع والمخالطة ونحو ذلك .
- الانشغال بممارسة الهوايات النافعة ، وإعمار الوقت بما يشغلك عن ذلك ، ويفيدك ، كقراءة القرآن والمطالعة وأعمال الطاعات وغيرها .
- الحفاظ على الطهارة ، والحرص على الصلاة في مواقيتها .
- مراقبة الله في السر والعلن ، هي أصل الخير كله ، ومفتاح النجاة للعبد .
- صدق اللجوء إلى الله أن يعينك على شر نفسك ، وأن يغلبك على شهوتك ، وأن ييسر لك طرق تصريفها في الحلال ، وأن يصرف عنك الحرام وما قد يؤدي اليه .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (329) ، ورقم : (103112) ، ورقم : (210259) .
نسأل الله أن يعينك على توبتك ، وأن يصرف عنك السوء ، ويصرفك عنه ، وأن يتقبلك في التائبين .
والله أعلم.
تعليق