أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التشريعية وغير التشريعية والخاصة .

20-02-2017

السؤال 258503

ما الدليل على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله ، خصوصا أن قاعدة العبرة بالعموم فيها اختلاف . هل الأصل التشريع والنبي صلى الله عليه وسلم متساوٍ مع أمته في الشرائع . هل فيها اتفاق وما الدليل على اتباع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم فعلا في الخفاء ورآه أحد الصحابة هل يتبع في ذلك مثل رؤيته وهو يبول واقفا ، وهل علي شيء في التفكير بهذه الأشياء ؟ إبليس يوسوس بي عند اتباع طريقة النبي ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أنواع، فمنها ما هو تشريع، ومنها ما يفعله بمقتضى الجبلة البشرية كالأكل والنوم، ومنها ما يحتمل التشريع والجبلة كحجه راكبا، واضطجاعه بعد سنة الفجر.

فأما الأفعال المتمحضة للتشريع كصلاته صلى الله عليه وسلم، وصومه وحجه، وأذكاره، وما اقترن بِحَثِّ أمته عليه كالسواك، والتسمية عند الأكل، ودخول المسجد باليمين، ونحو ذلك، فالأصل اتباعه فيه؛ لقوله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب/21، وقوله: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران/31، وقوله: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) الحشر/7

وأما الأفعال الجبلية، التي يفعلها بمقتضى البشرية والعادة كالأكل والشرب والنوم والمشي ، ونحو ذلك ، فهذه لا يطلب فيها التأسي.

وما احتمل التشريع والجبلة، فهو محل خلاف.

قال في مراقي السعود:

وفعله المركوز في الجبلهْ   **** كالأكل والشرب فليس مِلّهْ

من غير لمح الوصف والذي احتمل **** شرعا ففيه قل تردد حَصَلْ

فالحج راكبا عليه يجرى **** كضجعة بعد صلاة الفجر

وقوله: “من غير لمح الوصف” أي أن الأكل في الأصل جبلي، لكن كونه باليمين، ومما يلي الإنسان، والتسمية قبله، فهذا مما يشرع فيه التأسي.

قال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله:

” أفعال النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى الجبلة والتشريع ثلاثة أقسام:

القسم الأول: هو الفعل الجبلي المحض: أعني الفعل الذي تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها؛ كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، فإن هذا لم يفعل للتشريع والتأسي، فلا يقول أحد: أنا أجلس وأقوم تقربا لله ، واقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان يقوم ويجلس؛ لأنه لم يفعل ذلك للتشريع والتأسي. وبعضهم يقول: فعله الجبلي يقتضي الجواز، وبعضهم يقول: يقتضي الندب.

والظاهر ما ذكرنا : من أنه لم يفعل للتشريع، ولكنه يدل على الجواز.

القسم الثاني: هو الفعل التشريعي المحض. وهو الذي فعل لأجل التأسي والتشريع، كأفعال الصلاة ، وأفعال الحج ، مع قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي، وقوله: خذوا عني مناسككم.

القسم الثالث ، وهو المقصود هنا : هو الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي.

وضابطه: أن تكون الجبلة البشرية تقتضيه بطبيعتها، ولكنه وقع متعلقا بعبادة ، بأن وقع فيها ، أو في وسيلتها، كالركوب في الحج، فإن ركوبه صلى الله عليه وسلم في حجه محتمل للجبلّة ; لأن الجبلة البشرية تقتضي الركوب، كما كان يركب صلى الله عليه وسلم في أسفاره غير متعبد بذلك الركوب، بل لاقتضاء الجبلة إياه، ومحتمل للشرعي ; لأنه صلى الله عليه وسلم فعله في حال تلبسه بالحج، وقال: خذوا عني مناسككم .

ومن فروع هذه المسألة: جلسة الاستراحة في الصلاة، والرجوع من صلاة العيد في طريق أخرى غير التي ذهب فيها إلى صلاة العيد، والضجعة على الشق الأيمن، بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، ودخول مكة من كَداء – بالفتح والمد – والخروج من كُدى – بالضم والقصر – والنزول بالمُحصّب بعد النفر من منى، ونحو ذلك.

ففي كل هذه المسائل خلاف بين أهل العلم ; لاحتمالها للجبلي والتشريعي” انتهى من أضواء البيان (4/ 300).

ثانيا:

الأصل مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم أمته في الأحكام، إلا أن يدل الدليل على الخصوصية.

ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يقتدون به صلى الله عليه وسلم فيما فعله ، ولم يكونوا يسألونه هل هذا الفعل خاص به أم لا ؟ كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : (لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ ؟) فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا ، قَالَ : (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا ، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَهُ فَلْيَنْظُرْ فِيهَا ، فَإِنْ رَأَى بِهَا خَبَثًا فَلْيُمِسَّهُ بِالْأَرْضِ ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا) رواه أحمد ( 17 / 242 ، 243 ) وصححه محققو المسند.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم غضب من بعض أصحابه لمَّا نسبوا فعلاً فعله صلى الله عليه وسلم للخصوصية .

فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا ، وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ ) ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا ! قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : ( وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّبِعُ ) رواه أبو داود ( 2389 ) وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .

قال ابن حزم رحمه الله: “ولا يجوز أن يقال في شيء فعله عليه السلام إنه خصوص له إلا بنص في ذلك ؛ لأنه عليه السلام قد غضب على من قال ذلك ، وكل شيء أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حرام” انتهى من ” الإحكام في أصول الأحكام ” ( 4 / 433 ).

وقال ابن القيم رحمه الله: “الأصل : مشاركة أمته له في الأحكام ، إلا ما خصه الدليل ، ولذلك قالت أُمُّ سلمة رضي الله عنها : (اخرُجْ ولا تُكَلِّمْ أحدَاً حتى تَحْلِقَ رأسك وتنحر هَدْيك) ، وعلمت أن الناس سيتابعونه” انتهى من زاد المعاد ( 3 / 307 ).

ثالثا:

كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه التفصيل السابق، فإن لم يكن من أفعال الجبلّة، فإنه موضوع للتأسي إلا أن تثبت خصوصيته بدليل، ولا فرق بين أن يراه جمع من الصحابة أو يراه واحد.

والبول أصله جبلي، لكن صفته من قيام أو قعود، تدخل في التشريع ، ويتعلق بها التأسي؛ لورود النهي عن البول قائما؛ والنهي تشريع وحقه الامتثال. ثم ثبوت فعله صلى الله عليه وسلم له قائما، فينظر هنا في كيفية الجمع.

فقد روى ابن ماجه (309) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا لكنه حديث ضعيف. قال البوصيري في الزوائد: اتفقوا على ضعفه. وقال الألباني: ضعيف جدا.

وروى الترمذي (12) عَنْ عُمَرَ، قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُولُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا عُمَرُ، لَا تَبُلْ قَائِمًا، فَمَا بُلْتُ قَائِمًا بَعْدُ. والحديث ضعفه الترمذي والألباني.

وروى البزار عن بريدة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “من الجفاء أن يبول الرجل قائماً”. والحديث أشار إليه الترمذي ، وقال إنه غير محفوظ.

وعليه : فالنهي عن البول قائما لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

لكن روى الترمذي (12) والنسائي (29) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا وصححه الترمذي والنسائي.

قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 16): ” والحديث يدل على أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما كان يبول حال القيام، بل كان هديه في البول القعود ، فيكون البول حال القيام مكروها .

ويدل على جواز البول قائما: ما روى البخاري (224) ومسلم (273) عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ : أَتَى النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قَوْمٍ ، فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ .

والسباطة: موضع يلقى فيها الكناسة.

قال ابن قدامة رحمه الله: ” وقد رويت الرخصة فيه عن عمر وعلي ، وابن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن سعد وأنس وأبي هريرة وعروة.

وروى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم ، فبال قائما. رواه البخاري ، وغيره.

ولعل النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لتبيين الجواز ، ولم يفعله إلا مرة واحدة .

ويحتمل أنه كان في موضع لا يتمكن من الجلوس فيه.

وقيل: فعل ذلك لعلة كانت بمَأْبِضِه. والمأبض ما تحت الركبة من كل حيوان ” انتهى من “المغني” (1/ 108).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما، وهو دال على الجواز من غير كراهة ، إذا أمن الرشاش ، والله أعلم.

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء … والله أعلم” انتهى من فتح الباري (1/ 330).

وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم (9790) ورقم (176943) .

رابعا:

ينبغي الحذر من الوسوسة فإنها داء وشر، وليس من الوسوسة التفقه في الدين، ومعرفة السنة، والحرص على الاقتداء بها.

زادك الله علما وحرصا على الخير.

والله أعلم.

أصول الفقه
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب