أسأل عن ظهور المهدي في آخر الزمان، وإقامته للعدل، وهل يبقى بعد نزول عيسى عليه السلام، أم ينتهي حكمه بنزول عيسى عليه السلام؟
الحمد لله.
سبق في الموقع بيان حقيقة خروج المهدي في آخر الزمان، كما في جواب السؤال رقم : (1252)، ورقم :(10301).
وأما حال المهدي إذا نزل عيسى عليه السلام، فمثل هذه الأمور هي من علم الغيب التي لا يقال فيها إلا بنص من الوحي، ولم نقف على نص يوضح ويبسط ما سألت عنه.
ومما يحسن بنا أن ننتبه إليه؛ هو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرسل بشيرا ونذيرا.
قال الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ البقرة/119.
وقال سبحانه وتعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ فاطر /24.
فما ذكره الوحي من أخبار آخر الزمان فهو لا يخرج عن هذه الغاية التبشير والإنذار:
- فما في هذه الأخبار من الفتن كفتنة الدجال وقرب الساعة: فالحكمة منها الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة، والتزود بالتقوى، للنجاة من هذه الفتن إن أدركها المسلم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ رواه مسلم (2947).
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
" قال العلماء رحمهم الله تعالى: والحكمة في تقديم الأشراط ودلالة الناس عليها: تنبيه الناس من رقدتهم، وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة، كي لا يباغَتوا بالحول بينهم وبين تدارك الفوارط منهم، فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم، وانقطعوا عن الدنيا، واستعدوا للساعة الموعود بها . والله أعلم " انتهى من "التذكرة" (3 / 1217).- وما في هذه الأخبار من المبشرات: فهي لتثبيت المؤمنين وإبعاد اليأس والقنوط عنهم، إن أحاطت بهم الفتن أو ظهر للأعداء قوة؛ كمثل ما ورد في قصة خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: " شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ:
قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ.
وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ
" رواه البخاري (6943).
فلذا لا يحسن بالمسلم أن يتكلف ما تكلفه طائفة من الناس، من التدقيق في فتن آخر الزمان، ومحاولة التطلع إلى الغيب الذي سكت عنه الوحي، فهذا فيه مضيعة للوقت والانشغال بما لا ينفع، ويخرج بالمسلم من دائرة الانتفاع بهذه الأخبار، بالتزود بالعلم النافع والأعمال الصالحة؛ إلى دائرة التكلف، أو التسلي، أو شغل النفس بما لم تكلف به، وما ليس لها للعلم به من سبيل ، وما لا يترتب عليه كبير منفعة في دين ولا دنيا، والتهاؤها بذلك عما أمرت به ، وطلب منها علمه وعمله.
فنسأل الله تعالى لنا ولكم علما نافعا وعملا صالحا متقبلا.
والله أعلم.