الحمد لله.
أولا:
لا يجوز الكذب والتحايل لأخذ المال من شركة التأمين، سواء كان التأمين تعاونيا جائزا، أو تجاريا محرما؛ لحرمة أكل مال الغير بلا حق.
فالواجب عليكم التوبة إلى الله تعالى، ورد ما أخذتم من شركة التأمين لأن المؤمّن لم يكن الخطأ منه.
ولا يشترط على من أراد إرجاع الحقوق لأهلها أن يكشف عن نفسه وهويته؛ إذ المقصود هو رجوع الحق إلى أصحابه .
فإن كان يخاف من المساءلة، ويخشى من عواقب كشف ما فعله: فإنه يبحث عن الطريقة المناسبة التي تحفظ له كرامته, ويرجع فيه الحق لأهله من غير أن يُحرج نفسه؛ كأن يرسل المبلغ بالبريد، أو يوكل أحداً بإيصاله، أو يودعه في حسابهم.
وإن تعسَّر رده إليهم لأي سبب من الأسباب: فعليكم أن تتصدقوا به على الفقراء والمساكين.
وينظر: جواب السؤال رقم (201112) ورقم (133116) .
ثانيا:
إذا أدخلت شيئا من هذا المال في شراء سيارة، وصرت تعمل عليها وتكسب مالا، فإن ما يقابل المال المحرم من الكسب: لا يحل لك.
فلو كان ربع ثمن السيارة مثلا من ذاك المال الحرام، فإن ربع ما تكسبه الآن محرم.
وقد اختلف الفقهاء فيمن ربح من المال الذي أخذه تعديا بغير حق، هل يكون له، أم للمأخوذ منه، أم يتصدق به، أم يكون بينهما؟
فالمالكية والشافعية على أنه يكون للآخذ. والحنابلة على أنه يكون للمأخوذ منه، والحنفية على أنه يتصدق به.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا الربح يكون بينهما، فيعامل المعتدي كما لو أنه أخذ المال مضاربةً، فيكون له نصف الربح أو ثلثه أو ربعه بحسب عرف الناس في المضاربة.
وهذا هو الراجح، فإن كان من يعمل على سيارة لغيره يأخذ نصف الربح مثلا، فانظر إلى الربح الذي يقابل ما وضعته في السيارة من المال الحرام، ورد نصفه لشركة التأمين.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " أما المال المغصوب إذا عمل فيه الغاصب حتى حصل منه نماء: ففيه أقوال للعلماء: هل النماء للمالك وحده؟ أو يتصدقان به؟ أو يكون بينهما ، كما يكون بينهما إذا عمل فيه بطريق المضاربة والمساقاة والمزارعة ، وكما يدفع الحيوان إلى من يعمل عليه بجزء من دره ونسله، أو يكون للعامل أجرة مثله إن كانت عادتهم جارية بمثل ذلك .
كما فعل عمر بن الخطاب لما أقرض أبو موسى الأشعري ابنيه من مال الفيء مائتي ألف درهم ، وخصهما بها دون سائر المسلمين، ورأى عمر بن الخطاب أن ذلك محاباة لهما لا تجوز، وكان المال قد ربح ربحا كثيرا بلغ به المال ثمانمائة ألف درهم، فأمرهما أن يدفعا المال وربحه إلى بيت المال وأنه لا شيء لهما من الربح، لكونهما قبضا المال بغير حق. فقال له ابنه عبد الله: إن هذا لا يحل لك؛ فإن المال لو خسر وتلف كان ذلك من ضماننا ، فلماذا تجعل علينا الضمان ولا تجعل لنا الربح؟ فتوقف عمر. فقال له بعض الصحابة: نجعله مضاربة بينهم وبين المسلمين: لهما نصف الربح وللمسلمين نصف الربح، فعمل عمر بذلك.
وهذا مما اعتمد عليه الفقهاء في المضاربة ، وهو الذي استقر عليه قضاء عمر بن الخطاب ووافقه عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو العدل؛ فإن النماء حصل بمال هذا ، وعمل هذا ، فلا يختص أحدهما بالربح، ولا تجب عليهم الصدقة بالنماء؛ فإن الحق لهما لا يعدوهما؛ بل يجعل الربح بينهما ، كما لو كانا مشتركين شركة مضاربة " انتهى من مجموع الفتاوى (30/ 322).
وينظر: جواب السؤال رقم (142235) .
والله أعلم.