الحمد لله.
الحكم على طائفة معينة يكون من خلال ثلاثة أمور:
1-الاطلاع على كتبها ومدوناتها.
2-أو الوقوف على أحوالها ومشاهدة تصرفاتها.
3-أو الاعتماد على شهادة الثقات فيما يحكونه عنها، وينسبونه لها.
ونحن لم نطلع على ما يمكن منه معرفة عقيدة هذه الطائفة من المؤلفات التي كتبها مؤسسها الشيخ محمد بن علي السنوسي 1202هـ ـ 1276هـ (1787 ـ 1859م)، ولم نعايش هذه الطائفة ولم نقف على أحوالها.
وقد وقفنا على تضارب أقوال من كتب عنها :
فمن الناس من قال: إنها حركة صوفية معتدلة تأثرت بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وخلا تصوفها "من الشركيات والخرافات، كالتوسل بالأموات والصالحين"، كما جاء في "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة" (1/ 288)، وكما ذكر ذلك صاحب كتاب "تاريخ الحركة السنوسية في إفريقيا" ص20
مع أن المصدرين المذكورين لم ينقلا شيئا من كتب السنوسي أو أتباعه تدعم ذلك.
ومن الناس من نقل عن السنوسي كلاما شنيعا صريحا في الاستغاثة بغير الله تعالى.
ومن ذلك أنه قال في كتابه "السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين" ص104:
"فإدا أردت حاجة أو قصدت سفرا ، فاعرف مكانهم بما مر ، وصل ركعتين لله تعالى ، واقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة الإخلاص وبعدها في الأولى الفلق ، وفي الثانية الناس مرة مرة ، فإدا سلمت فتوجه إليهم ، واخط إلى جهتهم سبع خطوات أو ثلاثة ، ثم اقعد على ركبتيك مفترشا أو متوركا مطرقا متأدبا معهم موقنا بسماعهم لندائك ، راجيا إجابتهم لدعائك ، وقل :
السلام عليكم يا رجال الغيب ، أيها الأرواح المقدسة ، أغيثوني بنظرة وأعينوني بقوة ، يا أقطاب يا أئمة يا أوتاد يا أبدال يا أنجاد يا نقباء ، أغيثوني يا عباد الله ، أعينوني بحرمة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه وأهل بيته وتابعيه أجمعين ، ثم توجه إلى مقصودك غير شاك في وصولك إلى مطلوبك" انتهى.
وهذه دعوة صريحة للشرك بالله رب العالمين؛ فإن الاستغاثة برجال الغيب ، أو بالأرواح : كفر وشرك بالله تعالى في عبادته ، والطلب منه ، والافتقار إليه .
لكن لا ندري هل كان هذا حكاية عن طريقة من الطرق الصوفية الأربعين التي ذكرها المؤلف، أم كان من كلامه ومن جملة آرائه؟ وإذا كان الأول، فهل أقره أم انتقده؟
وفي الكتاب نفسه يقول ص30: "
"وتربى جماعة من القلندرية بروحانية الريحانتين ووالديهما ، عليهم الرضوان ، ولهم في استحضارها تعمل طريقه أن يقول:
يا حسن ، ويضرب بذلك بين الفخذين ، ويا حسين ، على السرة ، ويا فاطمة ، على الكتف الأيمن ، ويا علي ، على الكتف الأيسر ، ويا محمد ، في نفسه .
ثم يستأنف ويواظب عليه حتى تشرق عليه أشعة أنوار الأرواح المقدسة ، فيمدونه ويَصِلونه ، ويحصل له لطيفه القلب التي هي قطب طرائقهم ، أنهم لم يتطلعوا معها إلى مزيد من العبادات على الفرائض ، ولم يبالوا بتناول الملذوذات من المباحات ، إلا أنهم مع ذلك متمسكون بترك الادخار وترك الجمع والاستكثار" انتهى.
وهذا كما ترى حكاية منه لحال الطائفة المسماة بالقلندرية.
لكنه قال بعد ذلك مسوغا هذا الشرك: " ويستأنس بجواز ما يفعله الصادقون منهم في إحضار الأرواح المقدسه ، بحديث علي عند السني: إذا كنت بواد تخاف فيه السباع فقل أعوذ بدانيال من شر السباع الأثر" انتهى.
وهو في هذا الكتاب- ولا خلاف حول نسبته إليه - يمدح ابن عربي الصوفي القائل بوحدة الوجود ، فيقول ص45: " وأما طريقة السادة الحاتمية، فهي المنسوبة إلى مربى العارفين، وإمام الموحدين ، سيدي محيي الدين محمد ابن علي بن عربي الحاتمي قدس الله سره.
ومبنى هذه الطريقة على دفع الخواطر بدوام الذكر باللسان ، مع مواطأة القلب بالكلمة أولا ، ثم بذكر بالجلالة ، ثم بذكر : ها ، هو ، هي ؛ إذ الوجود الظاهر المشار إليه بـ: (هو ) : هي الحقيقة المحمدية ، ومراقبة الحق على ما يعلم تعالى نفسه" انتهى.
ولا ندري كيف يجتمع هذا الثناء على رجل زنديق كابن عربي وتقرير أن الوجود الظاهر هو الحقيقة المحمدية، مع التأثر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب!
بل جاء في الموسوعة الميسرة: "تأثَّر السنوسيُّ بالإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية وأبي حامد الغزالي ومحمد بن عبد الوهاب وبحركته السلفية في مجال العقيدة بوجه خاص"!
والحاصل :
أنه لابد لتقييم هذه الطائفة من الوقوف على كتبها ومدوناتها، والنظر في واقعها وحالها، فإن البدع تزيد وتتطور غالبا، ولا ينبغي الاغترار بما يكتب عنها دون توثيق.
والله أعلم.