الحمد لله.
أولا:
الأصل أن الزكاة واجبة على الفور ولا يجوز تأخيرها، إلا لسبب شرعي يجوز معه التأخير.
قال النووي رحمه الله: "يجب إخراج الزكاة على الفور، إذا وجبت، وتمكن من إخراجها، ولم يجز تأخيرها، وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء؛ لقوله تعالى: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) والأمر على الفور.." انتهى من "شرح المهذب" (5/308)
وقال ابن قدامة رحمه الله: " وتجب الزكاة على الفور، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه، والتمكن منه، إذا لم يخش ضررا. وبهذا قال الشافعي" انتهى من "المغني" (4/ 146).
ثانياً:
إذا وجبت زكاة النقود أو عروض التجارة على المسلم، وليس عنده نقد يخرج منه الزكاة، فيجوز له في هذه الحالة:
1-أن يخرج عنها العروض العينية إن وجدت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " " وأما إخراج القيمة للحاجة، أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به " انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/ 82).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ويجوز أيضا أن يخرج عن النقود عروضا من الأقمشة والأطعمة وغيرها، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة، مثل أن يكون الفقير مجنونا أو ضعيف العقل أو سفيها أو قاصرا، فيخشى أن يتلاعب بالنقود، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاما أو لباسا ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم ". انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (14/253).
2-أو يؤخر إخراجها حتى يتوفر المال.
قال المرداوي رحمه الله: "وإن تعذر إخراجها من النصاب؛ لغيبة أو غيرها، جاز التأخير إلى القدرة، ولو كان قادرا على الإخراج من غيره. وهذا المذهب" انتهى من "الإنصاف" (7/ 139).
وسئلت اللجنة الدائمة عن تأخير الزكاة: "إذا كان موعد إخراج الزكاة هو شهر جمادى الأولى فهل لنا تأخيرها إلى شهر رمضان بغير عذر؟
الجواب: لا يجوز تأخير إخراج الزكاة بعد تمام الحول إلا لعذر شرعي، كعدم وجود الفقراء حين تمام الحول، وعدم القدرة على إيصالها إليهم ولغيبة المال ونحو ذلك" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/398).
ثالثاً:
يجوز إخراج زكاة المال بشيك، إذا كان شيكاً مصرفياً أو مصدقاً، وذلك أنّ الشيك المصرفي والمصدق غير مؤجل، ويأخذ حكم النقد في التعاملات التجارية.
جاء في " المعايير الشرعية " - المعيار الشرعي رقم (16) الأوراق التجارية:
" 1 -يعتبر تسلم الشيك الحالّ الدفع: قبضاً حكمياً لمحتواه؛ إذا كان شيكاً مصرفياً (Banker’s Cheque) ، أو كان مصدقاً (Certified Cheque) ، أو في حكم المصدق ، وذلك بأن تسحب الشيكات بين المصارف أو بينها وبين فروعها ، وبناء على ذلك : يجوز التعامل بالشيك فيما يشترط فيه القبض كصرف العملات ، وشراء الذهب أو الفضة به ، وجعل الشيك رأس مال للسلم .
2- لا يعتبر تسلم الشيك الحالّ الدفع قبضاً حكمياً لمحتواه، إذا لم يكن مصرفيا أو مصدقا أو في حكم المصدق، فإذا لم يكن كذلك: لا يجوز التعامل به فيما يشترط فيه القبض " انتهى
وجاء فيها ص 280: " مستند اعتبار الشيك في معنى القبض لمحتواه، إذا كان مصدقا، أو في قوة المصدق: أن الشيك يحاط بضمانات كبيرة، تجعل القابض له مالكا لمحتواه، ويستطيع المستفيد منه أن يتصرف فيه، فيبيع به ويشتري ويهب، كما أن هناك حماية قوية من قبل حكومات الدول تدعم الثقة بالشيك، ثم إن اعتماد الشيك يعني وجود رصيد كاف لتغطيته" انتهى.
وجاء في قرار رقم (55/4/6) لمجمع الفقه الإسلامي، بشأن القبض وصوره، ما يلي:
" أولاً: قبض الأموال كما يكون حسيًا في حالة الأخذ باليد ، أو الكيل أو الوزن في الطعام ، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض ، يتحقق اعتباراً وحكماً بالتخلية ، مع التمكين من التصرف ، ولو لم يوجد القبض حساً.
وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها، واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها.
ثانياً: إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفاً.
1- .........
2- تسلم الشيك، إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه، وحجزه المصرف " انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (6/1/771-772).
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن اعتبار جواز اعتبار الشيك محل النقد فأجابت: "لا حرج في ذلك؛ لأن قبض البائع للشيك في حكم قبضه للثمن، إذا كان الشيك مصدقا من المصرف " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة" (13/494).
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن إخراج الزكاة بواسطة شيك. فأجاب: "وأما ما أشرت إليه من قطع "كتابة" شيك بمبلغ الزكاة إلى أحد المصارف، ليسلمها للمستحق فلا مانع من ذلك، لا مانع من أن تحولها بشيك إلى أحد المصارف ليسلمها للمستحق في بلده، والله تعالى أعلم" انتهى من "مجموع فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان" (2/ 466).
رابعاً:
أما إخراج الزكاة للمرضى في إحدى المستشفيات فهذا فيه تفصيل:
1-إذا كان هذا المستشفى يستقبل العاجزين -من المسلمين- عن تكاليف العلاج فقطـ، ويصرف مالك في نفقات علاج المرضى؛ فيجوز لك دفع الزكاة إليهم، لأنّ علاج الأمراض من أهم حاجات الإنسان، وهذا مصرف شرعي.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " عن المرضى المصابين بالفشل الكلوي هل يجوز صرف زكاة الأموال لهم، وكذلك زكاة الحلي من أجل أن ينتفعوا بها للعلاج؟
فأجاب فضيلته بقوله: حاجة الإنسان للعلاج حاجة ملحة، فإذا وجدنا مريضاً يحتاج للعلاج، لكنه ليس عنده مال يدفعه للعلاج، فإنه لا حرج أن نعطيه من الزكاة؛ لأن الزكاة يقصد بها دفع الحاجة" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/ 342).
غير أننا لا نعلم أن هذا الأمر واقعي، ولا نعلم أن مستشفى كبيرا، خاصا مستشفيات الأورام، تخص علاجها بالفقراء، دون الأغنياء، ولا بالمسلمين، دون غيرهم؛ وبدون تحقق هذين الشرطين، لا يصح دفع الزكاة إلى "إدارة المستشفى" لتنفق منها على علاج المرضى.
2-أن يكون هذا المستشفى يعالج مجاناً كل مرضاه المحتاج وغير المحتاج ، والمسلم وغير المسلم ، ولا يفرق بينهم.
ففي هذه الحالة. لابد من الاتفاق مع إدارة المستشفى أن تخصص زكاتك لسداد نفقات العاجزين عن العلاج من المسلمين .
فإن أمكن ذلك، وكانوا ثقاتٍ مأمونين عندك؛ فيجوز دفع الزكاة إليهم. وإلا فلا يجوز، ولكن تدفعها للمريض الفقير مباشرة بنفسك.
وبكل حال؛ فلا شك أن دفعها إلى الفقير مباشرة، هو الأحوط لعبادتك، والأبرأ لذمتك، ولا ينبغي لك أن تعدل عن ذلك، وتسلمها أحدا من إدارة المستشفى، أو غيرهم من الوكلاء عنك، أو عن الفقير: إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة معتبرة، وتحققت من وقوع زكاتك موقعها الصحيح.
والله أعلم.