الحمد لله.
أولًا :
لا نعلم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو آثار السلف الصالح ما يدل على سريان الموت في الجسد قبل الموت بأربعين يومًا ، ولا نعلم لذلك دليلا ، أو أصلا شرعيا .
والمنصوص في محكم التنزيل أن الموت الممثل في حضور ملك الموت لا يقع إلا عند حضور الأجل . قال تعالى :
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) الأعراف/34 .
وأما دخول المتوفى في رمضان من باب الريان : فالذي جاءت به السنة : أن الوعد المذكور في الحديث ، بالدخول من باب الريان : إنما هو للصائمين حقيقة ، وليس لمن نوى الصيام وعجز عنه .
والراجح أيضا : أن هذه الفضيلة ليست لكل صائم ، وإنما هي لمن غلب عليه الاشتغال بالصيام، حتى أكثر من صوم النافلة ، وليس مجرد صيام الفريضة .
وللتفصيل والتدليل على ذلك انظر الجواب رقم (231820)
وأما مجرد الموت في رمضان : فلا نعلم له فضيلة خاصة ، أو ثوابا أعد لمثل ذلك ؛ وما زال الناس يموتون في رمضان ، صالحهم ، وطالحهم ، وإنما يثاب المرء على ما قدم من عمل صالح ، وما تقرب به إلى ربه من الطاعات التي تقع منه باختياره ؛ وأما موت الإنسان وحياته : فذلك ليس بيده ، حتى يعلق به دخول الجنة ، أو دخول من باب الريان ، أو نحو ذلك .
ولمعرفة أفضل الأعمال التي من الممكن أن تبر بها أمك رحمها الله بعد موتها
انظر جواب السؤال رقم (131662) ورقم (232245).
ثانيًا :
أما وصول ثواب قراءة القرآن وثواب الذكر للأموات : فهذا وقع فيه نزاع بين العلماء ، والراجح أن قراءة القرآن وثواب الذكر لا يصل منه شيء للميت ولا ينتفع به ، لعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا أحد من أصحابه .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20996) ، (46698) .
وانظر جواب السؤال رقم (763) لمعرفة ما ينفع الميت من أعمال الحي .
ثالثًا :
أما اطلاع الأموات على شيء من أخبار أهليهم ، فقد ورد في الآثار ما يدل لذلك.
فقد أخرج النسائي (1 / 260) وابن حبان (733) والحاكم (1 / 352 و 353)
من طريق قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك، إلى روح الله وريحان ، ورب غير غضبان .
فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا، حتى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض!
فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه .
فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟
فيقولون : دعوه ، فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه
الهاوية.
وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي ساخطة ، مسخوطا عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به
باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح! حتى يأتون به أرواح الكفار ) .
قال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي والألباني كما في السلسلة الصحيحة رقم 1309
ويؤيده ما رواه ابن المبارك في الزهد (149 / 443) عن أبي أيوب الأنصاري قال :
( إذا قبضت نفس العبد ، تلقاه أهل الرحمة من عباد الله ، كما يلقون البشير في الدنيا، فيقبلون عليه ليسألوه، فيقول بعضهم لبعض: أنظروا أخاكم حتى يستريح، فإنه كان في كرب، فيقبلون عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوجت؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية. قال: فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا وقالوا: هذه
نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا سوءا قالوا: اللهم راجع بعبدك ) .
وهذا الأثر روي موقوفا على أبي أيوب الأنصاري ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
قال العلامة الألباني في الصحيحة ( 6/605 ) : " إسناد الموقوف صحيح، وكونه موقوفا لا يضر، فإنه يتحدث عن أمور غيبية لا يمكن أن تقال بالرأي، فهو في حكم المرفوع يقينا ، لا سيما وقد روي مرفوعا" .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه : عن الأحياء ، إذا زاروا الأموات، هل يعلمون بزيارتهم؟ وهل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره؟ .
فأجاب:
" الحمد لله، نعم قد جاءت الآثار بتلاقيهم ، وتساؤلهم ، وعرض أعمال الأحياء على الأموات، كما روى ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري ... " - فذكر الأثر السابق - ثم قال :
" وأما علم الميت بالحي إذا زاره ، وسلم عليه ، ففي حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا ، فيسلم عليه ، إلا عرفه ورد عليه السلام .
قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وصححه عبد الحق صاحب الأحكام." . انتهى ، من "مجموع الفتاوى" ( 24/331 ) .
وننبه هنا إلى بطلان ما يسير على ألسنة بعض الناس ، من عود أرواح الأموات إلى بيوتهم ، وسراحهم فيها أربعين يوما . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13183).
وأخيرا ..
فيما يتعلق بمصابكَ في أمك وحزنك الشديد على فراقها ، فقد قال الله تعالى :
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/155-157
فما أطيب هذه الكلمة ، وما أطيب وقعها في النفوس : إنا لله ، وإنا إليه راجعون !
إنا لله – جميعا - : خلقه ، ومُلكه ، وعبيده ؛ يدبرهم بأمره وحكمته ، كيف يشاء ، فعال لما يريد ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، سبحانه .
وإنا إليه – جميعا ، أيضا - : راجعون ، نلقاه ، ونلقى الأحبة عنده .
وإنما افتقارنا أن يتوفانا ، ويتوفى أحبابنا على عمل صالح ، نلقاه به ، ونلتقي بالأحبة في جنة الرضوان .
وقد قال تعالى :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور/21 .
فما هو إلا فراق مؤقت ، وما عليك بعده إلا أن تجتهد في العمل بطاعة الله ، ليُقبل دعاؤك لها في الدنيا أولا ، ولتجتمع بها في جنات النعيم إن شاء الله ثانيا .
وللتأمل في الصبر على المصائب وفضله انظر جواب السؤال رقم (35869) .
نسأل الله أن يرحم والدتك وأن يجمعك بها في الفردوس الأعلى بمنه وكرمه سبحانه.