الحمد لله.
فإن الله تعالى يقول : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ التغابن/12.
ومعلوم أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته هي الاستجابة لأوامره ، والانتهاء عن نواهيه ، مما ثبت عنه في السنة الصحيحة .
وقد اهتم علماء الإسلام بضبط ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتمييز الصحيح منه من الضعيف ، والمقبول من المردود ، وكذلك اهتموا بضبط ألفاظ الحديث ، ومعانيه التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم .
ولأجل ذلك نشأ علم الحديث ، والذي يعد من مفاخر المسلمين ، فإنه لا تعرف أمة قط حفظت ما جاء عن نبيها نقلا ، وضبطا ، وفهما ، مثل ما عرف عن هذه الأمة .
ومن ذلك نجيب على سؤال الأخ الكريم ، فنقول :
أولا : الحديث هو : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول ، أو فعل ، أو تقرير ، أو وصف خِلْقِيٍّ ، أو خُلُقِيٍّ .
قال الحافظ السخاوي في "فتح المغيث" (1/10) :" والحديث لغة ضد القديم ، واصطلاحا : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا له ، أو فعلا ، أو تقريرا ، أو صفة ، حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام ". انتهى
إذا المقصود بالحديث : كل ما نقله الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، سواء كان من قوله ، أو من فعله ، أو وصفا خَلقيا ، أو خُلقيا له صلى الله عليه وسلم ، أو إقرارا منه لقول أو فعل غيره عليه الصلاة والسلام .
ثانيا : أنشأ علماء الإسلام علما عظيما وهو " علم الحديث " ، ومقصد هذا العلم هو البحث في كل ما يتعلق بالحديث النبوي ، سواء من جهة النقل ومدى ثبوت ذلك عنه ، أو من جهة المنقول وما يتعلق به ضبطا ومعنى وفهما واستنباطا .
لأجل ذلك انقسم علم الحديث إلى قسمين :
علم الحديث رواية ، وعلم الحديث دراية .
أما " علم الحديث رواية " : فهو ما يعرف بعلم " أصول الحديث " ، وهو علم يبحث فيما يتعلق بثبوت المنقول ، وأحوال الرواة ، وما يتعلق به من مباحث .
وأما " علم الحديث دراية " : فهو يبحث في معنى المنقول ، وما يستنبط منه من أحكام وفوائد .
قال حاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/635) :" العلم برواية الحديث: وهو علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث بالرسول عليه الصلاة والسلام ، من حيث أحوال رواتها ضبطاً وعدالة ، ومن حيث كيفية السند اتصالا وانقطاعاً، وغير ذلك.
وقد اشتهر بأصول الحديث كما سبق.
وإلى العلم بدراية الحديث ، وهو علم باحث عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث ، وعن المراد منها مبنياً على قواعد العربية ، وضوابط الشريعة ، ومطابقاً لأحوال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ". انتهى
ثم انقسم كل فرع من فرعي علم الحديث إلى فروع ومباحث ، حتى ما تركوا شاردة ولا واردة سواء فيما يتعلق بجهة ثبوت المنقول ، أو معنى المنقول ، إلا وقد أفردوها بالبحث .
حتى جاء أبو عمرو بن الصلاح فصنف كتابه الشهير "علوم الحديث" فعدَ في كتابه ( 70 ) علما من علوم الحديث .
ثالثا : أذا أردت أخي الكريم أن تدرس وتعرف كل ما يتعلق بالحديث النبوي الشريف ، فلابد لك من سلوك طريقين :
الطريق الأول : ما يتعلق بعلم الحديث رواية ، أي ما يتعلق بجهة النقل من ناحية الثبوت ، والتصحيح والتضعيف ، فلابد من دراسة ثلاثة علوم :
علم مصطلح الحديث ، وعلم الجرح والتعديل ، وعلم علل الحديث .
ولكل علم منها سُلم للتعلم ، ومنهجية للوصول إلى المقصود .
ويمكنك مراجعة كتاب "حلية طالب العلم" للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله ، وشرحه للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .
ولابد أن يكون ذلك على يد عالم متقن ، أو طالب علم متمكن ؛ مع التطبيق العملي للقواعد الحديثية التي يتم دراستها ، ثم عرضها على العالم أو الشيخ الذي تتلقى العلم على يديه .
قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (1/147) :" مُطَالَعَةُ كُتُبِ الْمُصَنِّفِينَ وَمُدَوِّنِي الدَّوَاوِينَ ، وَهُوَ أَيْضًا نَافِعٌ فِي بَابِهِ ؛ بِشَرْطَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِنْ فَهْمِ مَقَاصِدِ ذَلِكَ الْعِلْمِ الْمَطْلُوبِ ، وَمَعْرِفَةِ اصْطِلَاحَاتِ أَهْلِهِ ؛ مَا يَتِمُّ لَهُ بِهِ النَّظَرُ فِي الكتب ، وذلك يحصل بالطريق الأول ، ومن مُشَافَهَةِ الْعُلَمَاءِ ، أَوْ مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إِلَيْهِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: " كَانَ الْعِلْمُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْكُتُبِ ، وَمَفَاتِحُهُ بِأَيْدِي الرِّجَالِ "، وَالْكُتُبُ وَحْدَهَا لَا تُفِيدُ الطَّالِبَ مِنْهَا شَيْئًا ، دُونَ فَتْحِ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ مُشَاهَدٌ مُعْتَادٌ.
وَالشَّرْطُ الْآخَرُ: أَنْ يَتَحَرَّى كُتُبَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُرَادِ ؛ فَإِنَّهُمْ أَقْعَدُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ " انتهى .
وهذا كله إذا أردت أن تسلك سبيل طلب العلم ، والتحقق في هذا العلم .
وأما إن لم تكن متخصصا فيه ، ولم يكن من همتك الاشتغال بطلبه ، لانشغالك بما سوى ذلك من العلوم ، أو المهن ، أو عدم تيسر ذلك ، وإنما تريد فكرة عامة ، تثقيفية فيه ، فيمكنك الاكتفاء بشيء من المختصرات الميسرة في هذا الباب مثل : "تيسير مصطلح الحديث" ، للشيخ محمود الطحان ، أو المنظومة البيقونية ، مع شيء من شروحها .
وهذا أيضا باب من الفائدة ، ولا بأس به ، وكل ميسر لما خلق له .
الطريق الثاني : وهو دراسة " علم الحديث دراية" ، حيث يبحث فيما يتعلق بمعنى الحديث ، ومفهومه ، وما يستنبط منه من أحكام وفوائد .
وهذا هو الغاية من العلم الأول ، فالعلم الأول سبيل إليه ، فبعد التأكد من صحة المنقول ، يأتي الدور على معرفة المراد منه .
وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود في "سننه" (3660) ، عن زيد بن ثابت ، قال: سمعتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- يقول: نَضَّرَ الله امرَأً سَمِعَ منَّا حديثاً فحفِظَه حتىِ يُبَلَّغَهُ، فَرُبَّ حامِلِ فقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (90) .
ولا يمكن فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهما صحيحا إلا بدراسة علمين رئيسين :
علم اللغة ، وعلم أصول الفقه .
وهذا أيضا يحتاج إلى منهجية صحيحة في التلقي ، مع الأخذ عن أهل العلم المتقنين .
ومما ييسر عليك الطريق في طلب العلم الالتحاق بمعهد أو أكاديمية منضبطة في تلقي العلوم الشرعية ، ويمكنك أن تلتحق بأكاديمية زاد ، ففيها خير كثير إن شاء الله .
ونقول هنا ما قلناه سابقا : إذا لم يكن متاحا لك التوسع في طلب هذا العلم ، والانتقال من مرحلة إلى أخرى ، فيكفيك أن تبدأ بالمهم اللازم منه ؛ فتحفظ الأربعين النووية ، مع شيء من شروحها الكثيرة المتاحة ، مثل شرح الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله ، أو شرح الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله .
ثم عليك بشرح رياض الصالحين ، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
ثم "جامع العلوم والحكم" للحافظ ابن رجب الحنبلي ، رحمه الله .
رزقنا الله وإياكم والمسلمين العلم النافع ، والعمل الصالح ، آمين .