الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حول العلم الذي يهتم بدراسة ما يتعلق بالحديث النبوي الشريف

282256

تاريخ النشر : 20-06-2018

المشاهدات : 10695

السؤال

أريد أن أدرس علم يبحث فيه كيف تم تصحيح الأحاديث الشريفة وكيف تم روايتها وشرح معانيها وماشابه بماذا تنصحوني وماهي اختصاصات علوم الحديث الشريف وجزاكم الله خيرا ؟

الجواب

الحمد لله.

فإن الله تعالى يقول : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ   التغابن/12.

ومعلوم أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته هي الاستجابة لأوامره ، والانتهاء عن نواهيه ، مما ثبت عنه في السنة الصحيحة .

وقد اهتم علماء الإسلام بضبط ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتمييز الصحيح منه من الضعيف ، والمقبول من المردود ، وكذلك اهتموا بضبط ألفاظ الحديث ، ومعانيه التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم .

ولأجل ذلك نشأ علم الحديث ، والذي يعد من مفاخر المسلمين ، فإنه لا تعرف أمة قط حفظت ما جاء عن نبيها نقلا ، وضبطا ، وفهما ، مثل ما عرف عن هذه الأمة .

ومن ذلك نجيب على سؤال الأخ الكريم ، فنقول :

أولا : الحديث هو : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول ، أو فعل ، أو تقرير ، أو وصف خِلْقِيٍّ ، أو خُلُقِيٍّ .

قال الحافظ السخاوي في "فتح المغيث" (1/10) :" والحديث لغة ضد القديم ، واصطلاحا : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا له ، أو فعلا ، أو تقريرا ، أو صفة ، حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام ". انتهى

إذا المقصود بالحديث : كل ما نقله الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، سواء كان من قوله ، أو من فعله ، أو وصفا خَلقيا ، أو خُلقيا له صلى الله عليه وسلم ، أو إقرارا منه لقول أو فعل غيره عليه الصلاة والسلام .

ثانيا : أنشأ علماء الإسلام علما عظيما وهو " علم الحديث " ، ومقصد هذا العلم هو البحث في كل ما يتعلق بالحديث النبوي ، سواء من جهة النقل ومدى ثبوت ذلك عنه ، أو من جهة المنقول وما يتعلق به ضبطا ومعنى وفهما واستنباطا .

لأجل ذلك انقسم علم الحديث إلى قسمين :

علم الحديث رواية ، وعلم الحديث دراية .

أما " علم الحديث رواية " : فهو ما يعرف بعلم " أصول الحديث " ، وهو علم يبحث فيما يتعلق بثبوت المنقول ، وأحوال الرواة ، وما يتعلق به من مباحث .

وأما " علم الحديث دراية " : فهو يبحث في معنى المنقول ، وما يستنبط منه من أحكام وفوائد .

قال حاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/635) :" العلم برواية الحديث: وهو علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث بالرسول عليه الصلاة والسلام ، من حيث أحوال رواتها ضبطاً وعدالة ، ومن حيث كيفية السند اتصالا وانقطاعاً، وغير ذلك.

وقد اشتهر بأصول الحديث كما سبق.

 وإلى العلم بدراية الحديث ، وهو علم باحث عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث ، وعن المراد منها مبنياً على قواعد العربية ، وضوابط الشريعة ، ومطابقاً لأحوال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ". انتهى

ثم انقسم كل فرع من فرعي علم الحديث إلى فروع ومباحث ، حتى ما تركوا شاردة ولا واردة سواء فيما يتعلق بجهة ثبوت المنقول ، أو معنى المنقول ، إلا وقد أفردوها بالبحث .

حتى جاء أبو عمرو بن الصلاح فصنف كتابه الشهير "علوم الحديث" فعدَ في كتابه ( 70 ) علما من علوم الحديث .

ثالثا : أذا أردت أخي الكريم أن تدرس وتعرف كل ما يتعلق بالحديث النبوي الشريف ، فلابد لك من سلوك طريقين :

الطريق الأول : ما يتعلق بعلم الحديث رواية ، أي ما يتعلق بجهة النقل من ناحية الثبوت ، والتصحيح والتضعيف ، فلابد من دراسة ثلاثة علوم :

علم مصطلح الحديث ، وعلم الجرح والتعديل ، وعلم علل الحديث .

ولكل علم منها سُلم للتعلم ، ومنهجية للوصول إلى المقصود .

ويمكنك مراجعة كتاب "حلية طالب العلم" للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله ، وشرحه للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .

ولابد أن يكون ذلك على يد عالم متقن ، أو طالب علم متمكن ؛ مع التطبيق العملي للقواعد الحديثية التي يتم دراستها ، ثم عرضها على العالم أو الشيخ الذي تتلقى العلم على يديه .

قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (1/147) :" مُطَالَعَةُ كُتُبِ الْمُصَنِّفِينَ وَمُدَوِّنِي الدَّوَاوِينَ ، وَهُوَ أَيْضًا نَافِعٌ فِي بَابِهِ ؛ بِشَرْطَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِنْ فَهْمِ مَقَاصِدِ ذَلِكَ الْعِلْمِ الْمَطْلُوبِ ، وَمَعْرِفَةِ اصْطِلَاحَاتِ أَهْلِهِ ؛ مَا يَتِمُّ لَهُ بِهِ النَّظَرُ فِي الكتب ، وذلك يحصل بالطريق الأول ، ومن مُشَافَهَةِ الْعُلَمَاءِ ، أَوْ مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إِلَيْهِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: " كَانَ الْعِلْمُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْكُتُبِ ، وَمَفَاتِحُهُ بِأَيْدِي الرِّجَالِ "، وَالْكُتُبُ وَحْدَهَا لَا تُفِيدُ الطَّالِبَ مِنْهَا شَيْئًا ، دُونَ فَتْحِ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ مُشَاهَدٌ مُعْتَادٌ.

وَالشَّرْطُ الْآخَرُ: أَنْ يَتَحَرَّى كُتُبَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُرَادِ ؛ فَإِنَّهُمْ أَقْعَدُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ " انتهى .

وهذا كله إذا أردت أن تسلك سبيل طلب العلم ، والتحقق في هذا العلم .

وأما إن لم تكن متخصصا فيه ، ولم يكن من همتك الاشتغال بطلبه ، لانشغالك بما سوى ذلك من العلوم ، أو المهن ، أو عدم تيسر ذلك ، وإنما تريد فكرة عامة ، تثقيفية فيه ، فيمكنك الاكتفاء بشيء من المختصرات الميسرة في هذا الباب مثل : "تيسير مصطلح الحديث" ، للشيخ محمود الطحان ، أو المنظومة البيقونية ، مع شيء من شروحها .

وهذا أيضا باب من الفائدة ، ولا بأس به ، وكل ميسر لما خلق له .

الطريق الثاني : وهو دراسة " علم الحديث دراية" ، حيث يبحث فيما يتعلق بمعنى الحديث ، ومفهومه ، وما يستنبط منه من أحكام وفوائد .

وهذا هو الغاية من العلم الأول ، فالعلم الأول سبيل إليه ، فبعد التأكد من صحة المنقول ، يأتي الدور على معرفة المراد منه .

وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود في "سننه" (3660) ، عن زيد بن ثابت ، قال: سمعتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- يقول:  نَضَّرَ الله امرَأً سَمِعَ منَّا حديثاً فحفِظَه حتىِ يُبَلَّغَهُ، فَرُبَّ حامِلِ فقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ  .

والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (90) .

ولا يمكن فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهما صحيحا إلا بدراسة علمين رئيسين :

علم اللغة ، وعلم أصول الفقه .

وهذا أيضا يحتاج إلى منهجية صحيحة في التلقي ، مع الأخذ عن أهل العلم المتقنين .

ومما ييسر عليك الطريق في طلب العلم الالتحاق بمعهد أو أكاديمية منضبطة في تلقي العلوم الشرعية ، ويمكنك أن تلتحق بأكاديمية زاد ، ففيها خير كثير إن شاء الله .

ونقول هنا ما قلناه سابقا : إذا لم يكن متاحا لك التوسع في طلب هذا العلم ، والانتقال من مرحلة إلى أخرى ، فيكفيك أن تبدأ بالمهم اللازم منه ؛ فتحفظ الأربعين النووية ، مع شيء من شروحها الكثيرة المتاحة ، مثل شرح الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله ، أو شرح الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله .

ثم عليك بشرح رياض الصالحين ، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .

ثم "جامع العلوم والحكم" للحافظ ابن رجب الحنبلي ، رحمه الله .

رزقنا الله وإياكم والمسلمين العلم النافع ، والعمل الصالح ، آمين .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب