لا تعارض بين حديث (إن أبي وأباك في النار) وقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)

09-05-2018

السؤال 287009

قال الله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) ، وروى مسلم ( 203 ) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : ( فِي النَّارِ) فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : ( إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّار) ، فكيف نجمع بين الآية والحديث ؟!

الجواب

الحمد لله.

لا تعارض بين الآية والحديث، وبيان ذلك أن قوله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/15، ومثله قوله تعالى : ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ) الملك/ 8 ، 9 .

فيه دليل على أن الله لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، بإرسال رسول من الله تعالى إليه .

فمن أُرسل إليه الرسول، أو بلغته رسالة الرسول : فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) الأنعام/19 .

وأما أهل الفترة ، وهم الذين لم تبلغهم رسالة رسول ، فأصح الأقوال فيهم : أنهم يمتحنون يوم القيامة. وينظر: جواب السؤال رقم : (98714) .

وأما الحديث: فقد روى مسلم (203) عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: ( فِي النَّارِ )، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: (إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ) " .

وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فَأَذِنَ لِي).

وهذان الحديثان يدلان على أن والديه صلى الله عليه وسلم في النار.

قال العلماء: لأنه بلغتهم شريعة إبراهيم عليه السلام، فلم يكونوا من أهل الفترة الذين يُمتحنون.

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (3/ 79):

" فيه : أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين.

وفيه : أن من مات في الفترة ، على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان : فهو من أهل النار.

وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ؛ فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء، صلوات الله تعالى وسلامه عليهم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أبي وأباك في النار) هو من حسن العشرة ، للتسلية بالاشتراك في المصيبة. ومعنى: (قَفَّى): ولى قَفَاه ، منصرفا" انتهى.

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " نعلم أن من كان من أهل الجاهلية، أي: قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من أهل الفترة، وسؤالي عن حكم أهل الفترة ، لأنني سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه جاءه رجل فقال: أين أبي؟ فقال في النار فذهب الرجل يبكي فناداه فقال له إن: أبي وأباك في النار فهل هذا الحديث صحيح؟ أفيدونا أفادكم الله؟

فأجاب: الصحيح من أقوال العلماء أن أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة، ويؤمرون ، فإن أجابوا وأطاعوا : دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار .

وجاء في هذا عدة أحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعن الأسود بن سريع التميمي، وعن جماعة، كلها تدل على أنهم يمتحنون يوم القيامة، ويخرج لهم عنق من النار، ويؤمرون بالدخول فيه، فمن أجاب صار عليه بردا وسلاما، ومن أبى التف عليه وأخذه وصار إلى النار، نعوذ بالله من ذلك.

فالمقصود : أنهم يمتحنون ، فمن أجاب وقبل ما طلب منه وامتثل دخل الجنة، ومن أبى دخل النار، وهذا هو أحسن ما قيل في أهل الفترة.

وأما حديث: إن أبي وأباك في النار : فهو حديث صحيح ، رواه مسلم في صحيحه: أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال في النار فلما ولى دعاه وقال له إن أبي وأباك في النار. واحتج العلماء بهذا : على أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم كان ممن بلغته الدعوة ، وقامت عليه الحجة، فلهذا قال: في النار، ولو أنه كان من أهل الفترة لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام في حقه .

وهكذا لما استأذن ربه أن يستغفر لأمه نهي عن ذلك، ولكنه أذن له أن يزورها، ولم يؤذن له في الاستغفار لها .

فهذا يدل على أنهما بلغتهما الدعوة، وأنهما ماتا على دين الجاهلية، وعلى دين الكفر، وهذا هو الأصل في الكفار أنهم في النار، إلا من كان لم تبلغه الدعوة ، أعني دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ؛ فهذا هو صاحب الفترة .

فمن كان في علم الله أنه لم تبلغه الدعوة ، والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين ، وهو الحكم العدل، فيمتحنه يوم القيامة.

أما من بلغته دعوة الرسل في حياته، كدعوة إبراهيم وموسى وعيسى، وعرف الحق، ثم بقي على الشرك بالله : فهذا ممن بلغتهم الدعوة، فيكون من أهل النار; لأنه عصى واستكبر عن اتباع الحق، والله جل وعلا أعلم" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (ص119) .

وانظر: جواب السؤال رقم : (43045) ، ورقم : (70297) .

ولا يجوز ادعاء التعارض بين القرآن والحديث، ولا الطعن في صحة الحديث لأجل توهم التعارض، ويجب الرجوع إلى أهل العلم لمعرفة الصحيح من غيره.

والله أعلم.


 

شروح الأحاديث التكليف
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب