الحمد لله.
الاجابةوحشي بن حرب الحبشي، قاتل حمزة رضي الله عنه، معدود في الصحابة ؛ لأن الصحابي هو: من لقي أو رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن به ، ومات على ذلك .
انظر السؤال رقم : (226877)
وثبت أن وحشيا رضي الله عنه أسلم ، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم ، وحدثه عن كيفية قتله حمزة رضي الله عنه ، ومات مسلما ، فثبتت له الصحبة ، فنترضى عنه ، كما نترضى عن غيره من إخوانه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. .
فروى البخاري (4072) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ عنه، كيف قتل حمزة، ثم قال وحشي:
" فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ – يعني من أحد- رَجَعْتُ مَعَهُمْ، فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا الإِسْلاَمُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا، فَقِيلَ لِي: إِنَّهُ لاَ يَهِيجُ الرُّسُلَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: آنْتَ وَحْشِيٌّ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ، قُلْتُ: لَأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثلْمَةِ جِدَارٍ ، كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ ، قَالَ: فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، قَالَ: وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الفَضْلِ – أحد رواة الحديث-: فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: " فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: وَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ، قَتَلَهُ العَبْدُ الأَسْوَدُ ".
وحيث إنه قتل حمزة في جاهليته، ثم تاب وأسلم، فإنه من تاب ، تاب الله عليه وغفر له، فالإسلام يجبّ ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها .
قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ الأنفال/38 .
قال ابن كثير رحمه الله:
" يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا) أَيْ: عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمُشَاقَّةِ وَالْعِنَادِ وَيَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِنَابَةِ، يُغْفَرُ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف، أَيْ: مِنْ كُفْرِهِمْ، وَذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ: ( مَنْ أحْسَن فِي الْإِسْلَامِ، لَمْ يُؤاخَذ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، أخذ بالأول والآخر) " انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 54)
وروى البخاري (4810) ، ومسلم (122) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ: وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ الفرقان/68 ، وَنَزَلَتْ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الزمر/53 .
وروى مسلم (121) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:
" لَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وحشي بن حرب الحبشي أبو دسمة، ويقال: أبو حرب، مولى جبير بن مطعم ويقال: مولى طعمة بن عدي .
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر الصديق وعنه ابنه حرب وعبيد الله بن عدي بن الخيار وجعفر بن عمرو بن أمية، وهو قاتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن خرج مع خالد إلى اليمامة، وشارك في قتل مسيلمة الكذاب، ثم شهد اليرموك، وسكن حمص، وفرض له عمر .
وكان إسلامه في الفتح، وقدم مع وفد الطائف على النبي صلى الله عليه وسلم " .
انتهى من "تهذيب التهذيب" (11/ 112) .
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله :
" وحشى بن حرب، مولى جبير بن مطعم، نزل الشام، له صحبة، قاتل حمزة بن عبد المطلب ، ومسيلمة الكذاب، روى عنه عبيد الله بن عدى بن الخيار وابنه حرب بن وحشى، سمعت أبى يقول ذلك " انتهى من "الجرح والتعديل" (9/ 45)
وقد ذكره في الصحابة غير واحد من أهل العلم ، فانظر:
"الإصابة في تمييز الصحابة" (6/ 470) ، "أسد الغابة" (5/ 409)، "الاستيعاب" (4/ 1564)، "معرفة الصحابة" (5/ 2733).
وقد سئل الشيخ عبد العزيز الراجحي ، حفظه الله :
" ما هو موقف أهل السنة والجماعة من الصحابي الجليل وحشي بن حرب قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم كرهه؟ وهل نكرهه لكره رسول الله صلى الله عليه وسلم له؟ " .
فأجاب :
" الصحابي وحشي : كغيره من الصحابة .
وإنما قتل حمزة قبل الإسلام، والإسلام يجب ما قبله ، ومن تاب ، تاب الله عليه، ولا إشكال في هذا .
وأهل السنة يترضون عنه ويوالونه كسائر الصحابة." انتهى، من"شرح عقيدة السلف" ـ الشاملة ـ .
والله تعالى أعلم.