الحمد لله.
ولهذه الزوجة حق الفسخ إذا تبين أن له زوجة تشاركها في القسم ؛ لأن تأكيدها على كون الزواج على الورق ، هو بمنزلة اشتراطها ألا يتزوج عليها، وهو شرط صحيح يبيح لها طلب الفسخ.
قال ابن قدامة رحمه الله : " وجملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة :
أحدها ما يلزم الوفاء به , وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته ، مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها ، أو لا يتزوج عليها ، ولا يتسرى عليها ؛ فهذا يلزمه الوفاء لها به ، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح .
يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص ، ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح ، وعمر بن عبد العزيز ، وجابر بن زيد ، وطاوس , والأوزاعي ، وإسحاق" انتهى من "المغني" (9/ 483).
ثانيا:
إذا كان الرجل يعلم من نفسه عدم القدرة على العدل بين زوجاته : فإنه يحرم عليه التعدد ، لقول الله تعالى : فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ النساء/3 .
فأمر الله تعالى من خاف أن لا يعدل : أن يقتصر على زوجة واحدة .
ويلزم الزوج العدل بين زوجاته، ويحرم عليه الميل لإحداهن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل رواه أبو داود (2133) ، والنسائي (3942) ، والترمذي (1141) ، وابن ماجه (1969).
فإذا لم يعدل ويعطك حقك : كان آثما، ولا عذر له في كونه يريد إقناع الأخرى، بل يعدل، ويسعى في الإقناع ما استطاع.
ثالثا:
يحرم على المرأة سؤال الطلاق إلا من عذر؛ لما روى أبو داود (2226) ، والترمذي (1187) ، وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
والبأس : الشدة، كأن تتضرر بتركه لها، أو بسوء معاملته، أو بظلمه لها ، وعدم عدله في القسم والمعاملة .
وينظر: جواب السؤال رقم : (186325) .
وعليه ؛ فللمتضررة منكما أن تطلب الطلاق .
لكن لتعلم المرأة أن في الصبر على ما تكره من أمر زوجها : خيرا، مراعاة للأولاد، وانتظارا للفرج من الله تعالى.
رابعا:
لا يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها طلاق زوجته الثانية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ؛ ولتنكح ، فإنما لها ما قدر لها رواه البخاري ( 5144 ) – واللفظ له – ، ومسلم ( 1413 ) .
وفي لفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها رواه البخاري ( 2577 ) .
وبوّب له البخاري رحمه الله : باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح.
فلتطالبي بحقك دون إشارة إلى طلاق الزوجة الأخرى.
وأما الزوجة الأخرى فليس لها إلا أن ترضى بالواقع ، وتعين زوجها على العدل، أو تطلب الفسخ أو الطلاق ؛ والعقل السليم ، والرأي النصيح لها أن تصبر ، وتراعي مصلحة أولادها ؛ فزوج من عود ، خير من قعود ، كما تقول العرب ، وتفكك الأسرة ، وتربية الأبناء بعيدا عن أبيهم : ليس بالأمر الهين ، لا سيما في مثل هذا الزمان .
وإذا حصل الطلاق، وتضرر أولادك أو أولاد ضرتك، فإثم ذلك على أبيهم ؛ لما اقترفه من الكذب والخداع ؛ ولا إثم عليك فيما يكون من أمر الأولاد .
والله أعلم.