الحمد لله.
أولا:
الشيخ ولي الله الدهلوي ، هو أحد العلماء الأعلام الذين ظهروا في بلاد الهند؛ هو:
" أحمد ولي الله بن عبد الرحيم بن وجيه الدين العمري الدهلوي...
ولد يوم الأربعاء لأربع عشرة خلون من شوال سنة أربع عشرة ومائة وألف في أيام عالمكير، فلما بلغ من عمره ما يندفع فيه الموفق من السعداء إلى طريق العلم وطلبه وينسك فيه بين نظام طلابه أخذ العلوم عن والده الشيخ عبد الرحيم ...
توفي إلى رحمة الله سبحانه ظهيرة يوم السبت سلخ شهر الله المحرم سنة ست وسبعين ومائة وألف بمدينة دهلي فدفن عند والده خارج البلدة، وله اثنان وستون سنة " انتهى من"الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام" (6 / 858 - 867).
وهو من العلماء الذين كانت له جهود كبيرة في خدمة السنة.
قال صديق حسن خان القنوجي رحمه الله تعالى:
" ثم جاء الله سبحانه وتعالى من بعدهم بالشيخ الأجل والمحدث الأكمل ناطق هذه الدورة وحكيمها، وفائق تلك الطبقة وزعيمها، الشيخ ولي الله ابن عبد الرحيم الدهلوي المتوفى سنة ست وسبعين ومائة وألف، وكذا بأولاده الأمجاد وأولاد أولاده أولي الإرشاد المشمرين لنشر هذا العلم عن ساق الجد والاجتهاد، فعاد بهم علم الحديث غضا طريا، بعدما كان شيئا فريّا" انتهى من "الحطة في ذكر الصحاح الستة" (ص 256 - 257).
وقد خلف تراثا علميا كبيرا؛ ومن أشهر هذا التراث؛ كتابه "حجة الله البالغة".
وأما عقيدته ونهجه؛ فالشيخ مرّ بمراحل في حياته، حيث نشأ في بيئة صوفية ماتريدية وأشعرية.
قال الشيخ عبد الحي بن فخر الدين الحسني رحمه الله تعالى:
" كان أبوه الشيخ عبد الرحيم من وجوه مشايخ دهلي ومن أعيانهم، له حظ وافر من العلوم الظاهرة والباطنة مع علو كعبه في طريقة الصوفية...
أخذ العلوم عن والده الشيخ عبد الرحيم المذكور وقرأ عليه الرسائل المختصرة بالفارسية والعربية، وشرع في "شرح الكافية" للعارف الجامي وهو ابن عشر سنين ، وتزوج وهو ابن أربع عشرة سنة وبايع والده واشتغل عليه بأشغال المشايخ النقشبندية وقرأ "تفسير البيضاوي" ...
ومن الكلام "شرح العقائد" وجملة من "الخيالي" و "شرح المواقف"، ومن التصوف قطعة من "العوارف"... " انتهى من "الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام" (6 / 858).
لكنه رحمه الله تعالى كان يجتهد في البحث عن الحق، ويعدّل من مواقفه بحسب ما يقف عليه من أدلة الكتاب والسنة .
لذا كانت حياته العلمية على مرحلتين : ما قبل رحلته إلى الحرمين ، وكان يغلب عليها ما كان في بيئته من تصوف وعلم الكلام والتمسك بمذهب البلد .
والمرحلة الثانية: وهي بعد عودته من رحلته ، حيث تميّزت باتباع الدليل وما كان عليه السلف الصالح وعدم التعصب للمذاهب والأشخاص، والاعتناء بتنقية عقائد الناس من الأمور الشركية والبدع والمحدثات.
قال صديق حسن خان رحمه الله تعالى:
" وقد نفع الله بهم – أي بالشيخ ولي الله وأولاده وأحفاده- وبعلومهم كثيرا من عباده المؤمنين، ونفى بسعيهم المشكور من فتن الإشراك والبدع ، ومحدثات الأمور في الدين : ما ليس بخاف على أحد من العالمين، فهؤلاء الكرام قد رجحوا علم السنة على غيرها من العلوم، وجعلوا الفقه كالتابع له والمحكوم، وجاء تحديثهم حيث يرتضيه أهل الرواية ، ويبغيه أصحاب الدراية، شهدت بذلك كتبهم وفتاواهم، ونطقت به زبرهم ووصاياهم، ومن كان يرتاب في ذلك فليرجع إلى ما هنالك، فعلى الهند وأهلها شكرهم ما دامت الهند وأهلها " انتهى من "الحطة في ذكر الصحاح الستة" (ص 257).
وقال رحمه الله تعالى:
" الشاه ولي الله المحدث الدهلوي : قد بنى طريقته على عرض المجتَهَدات على السنة والكتاب، وتطبيق الفقهيات بهما في كل باب، وقبول ما يوافقهما من ذلك ، ورد ما لا يوافقهما ، كائنا ما كان ، ومن كان، وهذا هو الحق الذي لا محيص عنه ولا مصير إلا إليه .
وكذا ابن ابنه المولى محمد اسماعيل الشهيد، اقتفى أثر جده في قوله وفعله جميعا، وتمم ما ابتدأه جده ، وأدى ما كان عليه، وبقي ما كان له، والله تعالى مجازيه على صوالح الأعمال وقواطع الأقوال وصحاح الأحوال " انتهى من "الحطة في ذكر الصحاح الستة" (ص 257 - 258).
وبسبب هذا الانتقال في مواقف الشيخ رحمه الله تعالى، وكذا بسبب تجنبه للخصومات وميله إلى تأليف القلوب حوله؛ هذا كله أدّى إلى اختلاف الناس فيه وفي مذهبه وعقيدته، وكل طائفة تأخذ من كتبه ما يناسب مذهبها .
لكن الحق هو أن ينسب الرجل إلى ما ثبت عليه في آخر حياته واستقر عليه أمره؛ وهو الاجتهاد في اتباع نصوص الوحي ، وجعلها هي القائد في الفقه والاعتقاد.
قال الدكتور عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي:
" اختلفت آراء علماء الهند في مذهب الشاه ولي الله؛ فيجرّه الحنفية إلى الحنفية، ويجره السلفيون إلى السلفية، ولكن الأولى والأحسن أن ننظر إلى ما صرّح هو بنفسه في مذهبه في كتابه "الجزء اللطيف" فهو يقول:
" بعد دراسة فاحصة لكتب المذاهب الأربعة ، وكتب أصول الفقه ، والأحاديث التي يتمسكون بها استقر في القلب بتوفيق من الله وهدايته طريقة الفقهاء المحدثين".
ومع هذه الصراحة وتلك الوصية والأقوال ، لا يرى من البأس انتسابه إلى الحنفية والقيام ببعض الأعمال التي هي طريقة عامة الأحناف، اقتضاء لأحوال العصر وخطورة الموقف، وخشية من فتنة المقلدة الجامدين على المذهب لئلا ينفروا من دعوته الإصلاحية " انتهى من "جهود مخلصة" (ص 52).
والاجتهاد في تحري طريق السلف الصالح هو الذي كان يوصي به رحمه الله تعالى.
قال الدكتور عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي:
" أنقل بعض وصاياه وأقواله في هذا الصدد لتتضح معالم دعوته:
" وصية هذا الفقير: الاعتصام بالكتاب والسنة في العقيدة والعمل والتفكير فيهما دائما؛ وقراءة جزء منهما كل يوم وإن لم يستطع القراءة فيسمع ترجمة ورقة من كليهما، واختيار مذهب قدماء أهل السنة في العقيدة والإعراض عن تفصيل مالم يفصلوه، وعدم التوجه إلى تشكيك أهل العقول، واتباع العلماء المحدثين في الفروع، فهم قد جمعوا بين الحديث والفقه، وعرض الفروع الفقهية دائما على الكتاب والسنة وقبول ما يوافقهما ورد مالم يوافق ... " من كتاب "التفهيمات الإلهية". " انتهى من "جهود مخلصة" (ص 51).
ثانيا:
الشيخ عبيد الله السندي رحمه الله تعالى، كان وثنيا ، ثم أسلم واجتهد في طلب العلم ، ورحل من أجله، وتعلم ما كان في بيئته في ذلك الزمن من صوفية وماتريدية ، وكانت له جهود في الدعوة والتعليم.
وكان معجبا بكتب وفكر الشيخ ولي الله الدهلوي ، وخاصة كتابه "حجة الله البالغة" وكان يدرسه لطلابه.
وشارك في بعض الأحداث السياسية والتي اضطرته إلى أن يبتعد سنين عديدة عن بلده.
قال الشيخ عبد الحي بن فخر الدين الحسني رحمه الله تعالى:
" مولانا عبيد الله السندي:
الشيخ العالم الصالح عبيد الله الحنفي السندي ، أحد العلماء المشهورين، ولد في بيت من بيوت الوثنيين، في تاسع محرم سنة تسع وثمانين ومائتين ، وألف في بلدة "سيالكوث"...
وألقى في روعه أنه سيدخل في دين الإسلام، فرغب إليه وحصل بعض الكتب الاسلامية كـ "تحفة الهند" للشيخ عبيد الله البائلي و"تقوية الايمان" للشيخ الشهيد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي، واشتغل بها مدة ، حتى رسخ في قلبه الايمان، فهاجر من بلدته إلى أرض السند سنة أربع وثلاثمائة وألف، وأسلم على يد الشيخ الحاج محمد صديق السندي ، وبايعه في الطريقة القادرية، واشتغل بالعلم فقرأ رسائل النحو والصرف إلى "كافية ابن الحاجب"، ثم سافر إلى "الملتان" ، ومنها إلى "ديوبند"، وقرأ على أساتذة المدرسة بعض رسائل المنطق، ثم سافر إلى "كانبور" ، وقرأ أكثر الكتب الدرسية لعله على مولانا أحمد حسن الكانبوري، ثم رجع إلى "ديوبند" وأخذ الحديث عن العلامة محمود حسن الديوبندي ، وتفقه عليه، ثم ولي التدريس بمدرسة دار الرشاد في أرض سند فدرس بها زماناً، ثم رجع إلى "ديوبند" ، وأقام بها مدة من الزمان ، وأسس جمعية مؤتمر الأنصار .
وخالفه أعضاء المدرسة العربية في بعض الأمور واتهموه بسوء الاعتقاد، فسار إلى "دهلي" وأسس نظارة المعارف بفناء المسجد الفتحبوري، وأعلن أنه يدرس القرآن الكريم و "حجة الله البالغة" وبعض كتب الحديث في سنتين لمن يريد الأخذ ممن نالوا درجة الفاضلية في الإنكليزية فدرس بها أعواما...
وقضى أيامه الأخيرة في الهند ، في تناسٍ ، وقلة إقبال ؛ يقضي مدة في دهلي ، ومدة في السند يدرس فيها حجة الله البالغة ، على طريقته الخاصة، ويشكل بعض اللجان السياسية، حتى وافاه الأجل في الثالث من رمضان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وألف " انتهى من "الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام" (8 / 1300 – 1302) .
ثالثا:
الشيخ سعيد أحمد الريبوري، وهو من المشايخ المعاصرين ولد سنة 1928 ميلادية وتوفي سنة 2012.
والذي يفهم مما وقفنا عليه من ترجمته : أنه أخذ عن مدارس علمية ودعوية مختلفة؛ كمؤسس جماعة الدعوة والتبليغ الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي، والشيخ محمد زكريا الكاندهلوي مؤلف كتاب "فضائل الأعمال" والمعتمد عند هذه الجماعة .
وينظر : جواب السؤال رقم : (8674) ، ورقم : (108084) للاطلاع عن جماعة التبليغ ومالها وما عليها.
وأخذ عن مشايخ الديوبندية، وعن الديوبندية .
وينظر جواب السؤال رقم : (22473).
كما تأثر بفكر الشيخ ولي الله الدهلوي، وكان له به اعتناء كبير، وأنشأ عدة مشاريع تهتم بفكر الشيخ ولي الله.
والذي لمسناه من ترجمة الشيخ سعيد أحمد وأخباره : أنه يشترك مع الشيخ عبيد الله السندي في الاهتمام بتراث وفكر الشيخ ولي الله الدهلوي ، في جانبه المتعلق بالإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي .
والجماعة التي سألت عنها : غالب الظن أن المقصود بها أتباع هذا الشيخ، وهذا الجانب من فكر الشيخ ولي الله ، تجتمع عليه طوائف عدة منها المتبع لعقيدة السلف الصالح، ومنها من في عقيدته زيغ ؛ فلذا لا نستطيع الحكم على عقيدة أفرادها بحكم عام .
ومثل هذه الجماعات التي توجه جهدها و نشاطها إلى الاهتمام بأحوال الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تكون مرجعا للمسلم في معرفة تفاصيل العقيدة والأحكام؛ لأن لكل مجال أهله، فلذا على المسلم أن يواليهم فيما يظهرونه من الحق ، لا سيما في البلاد التي تكون فيها الغلبة لغير المسلمين ، أو يكون المسلمون مستضعفين فيها ، وتكون السنة وأهلها غير ظاهرين ، مع الحرص على أن ينكر عليهم ما يظهر منهم من مخالفة لأدلة الشرع.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (269201) .
والله أعلم.