الحمد لله.
ما يقوم به المزارع من وضع الجيد في أعلى الصندوق ، والأقل جودة في أسفله، نوع من الغش المحرم، إذا كان المشتري يظن أن الصندوق كله على الصفة الجيدة.
وقد روى مسلم (102) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي .
وروى أحمد (5113) عن ابن عمر قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وقد حسّنه صاحبه ، فأدخل يده فيه ، فإذا طعام رديء فقال: بع هذا على حدة ، وهذا على حدة، فمن غشنا فليس منا وصححه محققو المسند.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله : "وضابط الغش المحرم : أن يعلم ذو السلعة ، من نحو بائع أو مشتر ، فيها شيئا ، لو اطلع عليه مُريد أخذها ، ما أخذها بذلك المقابل ؛ فيجب عليه أن يعلمه به ليدخل في أخذه على بصيرة" انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 396).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/ 212): " إذا كان هناك بائع ويعطيه المزارعون ثمارهم لبيعها، وهو يعلم أنهم غاشون فيها، لجعلهم الثمار الكبيرة أعلى ، والصغيرة أسفل؛ هل يأثمون أم لا، وماذا يجب عليه في هذه الحالة؟
الجواب: على البائع مناصحة المزارعين، وتحذيرهم من الغش، لعل الله أن يهديهم، وعلى البائع أن يذكر ما في السلعة من عيب عند البيع، فإن لم يفعل أثم" انتهى.
وجاء فيها أيضا: " لدينا فواكه، مثل فاكهة التين، ونحن نجمع ثمار التين بعد النضوج في أسبات من عيدان النخل، نجعل الفاكهة أي التين النظيف، ونكتب عليه نمرة واحد، وأما الثاني فيجعلون الثمرة الكبيرة من الخارج ظاهرة والصغيرة في داخل السبَت وليست ظاهرة ، ولكنها مستوية أي ناضجة ، ومعروف عند المشتري بأن التين نمرة اثنين.
هل هذا يسمى غشا أم ليس غشا، وعندما ينضج ثمار التي داخل عبوة السبت، ولا نوجهه أي نرصه ونصلحه، وإذا لم نصلحه لا يشتريه أحد، وإذا اشتراه أحد الناس يشترونه بثمن بخس، فبماذا تنصحوننا؟ علما بأن كل الناس في قريتي يفعلون هذه الفعلة، كما أعرفكم بأن كلمة سبت عندنا هي: العبوة التي يعبأ بداخلها التين، وهي تصنع من جريد النخل. أفيدونا أفادكم الله، وأسأله لكم العافية في الدنيا والآخرة.
ج: وضع الثمار الصغار في أسفل عبوة السبت (الصندوق) ، والكبار في أعلاه من الغش، وهو حرام، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غشنا فليس منا
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
وكون التاجر الذي يشتري منك يعلم ذلك، بل ويريده، يرفع الغش في حق هذا التاجر فقط ، ولكن هذا التاجر سيبيع الصناديق لتجار الأسواق ويغشهم بهذه الطريقة .
فلا يجوز لك أن تعينه عليه، بل تضع في أعلى الصندوق من جميع ما عندك، من كبير وصغير.
وأما إن كان المشترون من هذا التاجر يعلمون أن واجهة الصندوق أو أعلاه يوضع فيه الأجمل، وأن بقيته ليست على هذه الصفة، فلا غش حينئذ، وإن كان هذا عملا سيئا؛ لأن فيه تعويد الناس على الزيف والخداع، فما دامت السلعة فيها الكبير والصغير، والجيد والرديء، فأي حكمة في تحسين ظاهرها وجعله كله من الجيد!
وقد يشتري من هذا التاجر من لا يعلم هذا ، أو يحسن الظن في التاجر ، فيخدع في البيع .
فلهذا ينبغي ألا تستجيب لطلب التاجر، بل تضع في أعلى الصندوق من جميع ما فيه.
والله أعلم.