سؤالي حول الفضل بين الزوج والوالدين أيهما أعظم فضلا الزوج أم الوالدين ؟ أعلم أن حق الزوج أكبر ومقدم على حق الوالدين، لكن بالنسبة للفضل والإحسان فالدعاء في الصلاة على سبيل المثال يكون للوالدين لا للزوج، وكثير من الآيات في القرآن الكريم تتحدث عن فضل الوالدين، والعلاقة بين الزوجين تكون علاقة أخذ وعطاء، فالمرأة تخدم زوجها في بيته، من أعمال تنظيف وطبخ وإنجاب وتربية الأولاد، ومعظم الأحيان خدمة أهله وضيوفه، إضافة إلى حقه الشرعي والطاعة، وفي المقابل الزوج عليه النفقة والسكن والعشرة بالمعروف، أما العلاقة مع الوالدين فغالبا ما تكون تضحية وعطاء منهم، ولا يحصل انتفاع لهم خاصة بالنسبة للإناث، وواجب الرجل تجاه زوجته ينتهي بمجرد الطلاق إذا لم يكن لهم أولاد، ليست كالعلاقة مع الأبوين فتكون أبدية لا تنتهي بكلمة أو انتهاء منفعة ونحوه، وكذلك ما نوع السجود في حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا)، هل هو سجود طاعة؛ لأنه لابد من وجود رب واحد للأسرة، فوجبت طاعته، لتستمر، وتستقيم الحياة، مثل حق والي المسلمين في الطاعة المطلقة في غير معصية الله، لكي لا تعم الفوضى، أم سجود شكر وتكريم لفضله ؟
الحمد لله.
المرأة مأمورة ببر والديها والإحسان إليهما، وترك عقوقهما، والنصوص في ذلك كثيرة معلومة، فبر الوالدين فرض، وعقوقهما من أكبر الكبائر، ولا يسقط برهما بزواجها.
لكن طاعة الزوج –بعد الانتقال إليه- مقدمة على طاعة الوالدين، عند التعارض وعدم إمكان الجمع، وهذا لا ينقص من حق الوالدين، بل حقهما أعظم من حق الزوج، وحق الأم أعظم من حق الأب؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ: أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ رواه البخاري (5626)، ومسلم (2548).
ولهذا ينبغي للزوجة أن تخصهما بالدعاء وسائر صنوف البر، كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا الإسراء/23، 24.
وحق الزوج مقيد بقيام الزوجية، وأما الوالدان فحقهما في البر باق بعد وفاتهما، وحقهما ثابت ولو كانا كافرين، وحقهما لا يقتصر على الطاعة، بل يشمل البر والإحسان والصلة، وهذا يؤكد أن حقهما أعظم من حق الزوج.
روى ابن ماجه (1853) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ :
" لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا هَذَا يَا مُعَاذُ قَالَ أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَفْعَلُوا ؛ فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ؛ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا ، حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا ، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ ؛ لَمْ تَمْنَعْهُ " وقال الألباني: حسن صحيح.
ورواه الترمذي (1159) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وقال الألباني: حسن صحيح.
ورواه الحاكم بلفظ: لوْ أَمْرتُ أحَداً أنْ يسجُدَ لأحَدٍ؛ لأمْرتُ المرأَةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها؛ مِنْ عِظَمِ حقِّه عَليْها، ولا تَجدُ امْرأَةٌ حلاوةَ الإيمان؛ حتى تُؤَدِّيَ حقَّ زوْجِها، ولو سَألها نَفْسَها وهيَ على ظَهْرِ قَتَبٍ وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب".
والسجود المذكور هنا : هو سجود الاحترام، والتقدير.
قال المناوي في "فيض القدير" (5/ 329): " لو كنت آمر (أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) فيه تعليق الشرط بالمحال؛ لأن السجود قسمان: سجود عبادة ، وليس إلا لله وحده، ولا يجوز لغيره أبدا. وسجود تعظيم، وذلك جائز، فقد سجد الملائكة لآدم تعظيما، وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يكون، ولو كان؛ لجعل للمرأة في أداء حق الزوج" انتهى.
وقال ابن علان في "دليل الفالحين" (3/ 113): " (أن يسجد لأحد) تعظيماً له ، وأداء لحقه (لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) ؛ لما له عليها من عظيم الحق الواجب القيام به" انتهى.
والله أعلم.