ما حكم أخذ اﻷخت للسوق والدكاكين مع أنها تلبس عباءة مزينة ؟ وقد نهيتها عن ذلك من قبل، فكادت تسب الدين إن لم تكن فعلت، ومنذ ذلك اليوم صرت خائفا أن أكلمها في الموضوع لئلا يحدث ما حدث من قبل، لكن المشكلة أنها وأمي تجبراني دائما على أخذهما إلى اﻷسواق وإن رفضت تحدث المشاكل وتغضب أمي وتقول أنها لا تفهم عدم أخذي لها ، وأنا لا أستطيع تفسير السبب لئلا يحدث ما حدث سابقا، وأكون في نفس الوقت خائفا من أني أعاون أختي على معصية .. ولا أعلم ماذا أفعل ؟
الحمد لله.
أولا:
إذا كانت أختك تخرج إلى السوق أو غيره متبرجة، أو بعباءة مزينة ملفتة أو متعطرة بما يُشم منها، فلا يجوز لك الخروج معها؛ لما فيه من الإعانة على المعصية، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ المائدة/2 .
وليس هذا من إنكار المنكر، بل من عدم الإعانة عليه.
وينبغي أن تبين لوالدتك سبب امتناعك من الخروج مع أختك، لتقوم بنصحها وتقويمها، فإنها مسئولة عن ذلك؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ التحريم/6.
وعَنْ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ رواه البخاري (7138)، ومسلم (1829).
ثانيا:
الإنكار على أختك باللسان إن خُشي منه وقوعها في منكر أعظم كسب الدين، حرم الإنكار.
قال ابن القيم رحمه الله :" إنكار المنكر أربع درجات :
الأولى : أن يزول ويخلفه ضده (وضده هو المعروف).
الثانية : أن يقل، وإن لم يزُل بجملته .
الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله .
الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه .
فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة .
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج، كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله ، كرمي النُّشَّاب (السهام) ، وسباق الخيل ، ونحو ذلك .
وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية ، فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله : فهو المراد ، وإلا كان تركهم على ذلك، خيرا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك ، فكان ما هم فيه شاغلا لهم عن ذلك .
وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها، وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر ، فدعه وكتبه الأولى . وهذا باب واسع .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول : مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر ، فأنكر عليهم من كان معي ، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال ، فدعهم .
والمثال الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تقطع الأيدي في الغزو) رواه أبو داود. فهذا حد من حدود الله تعالى ، وقد نهى عن إقامته في الغزو، خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره، من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا ، كما قاله عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم " انتهى من " إعلام الموقعين " (3/12-13).
وعلى الوالدين النظر في حال هذه الفتاة التي يسهل عليها سب الدين، فلا شك أنها بحاجة إلى تربية وإصلاح، وغرس لحب الدين في قلبها، وبغض الكفر وأهله.
فتعاون مع والدتك في إصلاح أختك وتهذيبها، وتجنب نصحها والإنكار عليها إذا خشيت مفسدة أكبر من منكرها، ولا تعنها على منكر كالخروج بها إلى السوق وهي متبرجة، واحذر أن تكون مغاليا، فإن كثيرا من العباءات اليوم يكون في أطرافها شيء من الزينة اليسيرة، فهذا ينبغي أن يُتسامح فيه لعموم البلوى، بخلاف ما كان ضيقا، أو فيه زينة كثيرة ملفتة .
والله أعلم.