أسأل عن محرز بن خلف، فالناس تقيم له العديد من العبادات دون الله تعالى هنا، أسأل عن نسبه، فهل هو حقا من نسب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ؟ وهل حقا دخل في حرب ضد العبيديين في تونس؟
الحمد لله.
أولًا :
تُرجم للمسؤول عنه في "ترتيب المدارك" (7/ 264) :
" هو أبو محمد محرز بن خلف ابن أبي رزين التونسي ، المعروف بالعابد .
خاتمة صلحاء علماء إفريقية .
روى عن أبي إسحاق الدينوري ، وكتب الى الأبهري ، ولا أدري لقيه أم لا .
روى عنه حاتم ، وكان متقشفًا فاضلًا ، زاهدًا في الدنيا ، مجانبًا لأهلها ، مستجاب الدعوة.
ذكر أن أهل تونس لما قتلوا الروافض ، القتلة المعلومة ، وحدثوا أن محرزًا شيخهم حملهم عليه ، وطهر الأرض منهم ، ورفعت القصة إلى باديس أمير إفريقية ، حنق على التونسيين، وعزم على القصد لهم ، وقال : تكون الأرض ، ولا تكون تونس .
فبلغ الخبر أهل تونس، فجزعوا له، وفزعوا الى شيخهم محرز ، وأخبروه ما بلغهم بأنفسهم ، وقال لهم: بل تكون الأرض ولا باديس ، فأخذ في الدعاء عليه .
فأخذ باديس ذبحة أتت عليه ، وأراح الله تعالى منه "، وذكر طرفًا من أحواله .
وذكروا أنه " من نسل أبي بكر الصديق ، من كبار الزهاد ، تهافت عليه الناس للتبرك به وسماع كلامه ، توفي سنة 413 هـ" ، انتهى من " شجرة النور الزكية " : (2 / 202، 203).
وانظر ترجمته في "الأعلام" (5/ 284) ، "جمهرة تراجم الفقهاء المالكية" ، د. قاسم علي سعد : (2/ 977) .
ثانيًا :
أيا ما كانت حال الرجل من صلاح أو فساد، أو هدى أو ضلال، فإن ذلك لا يغير من الأمر شيئا . وكذلك لو صح نسبه إلى بكر، أو لم يصح، وهو أمر لا علم لنا بتحقيقه ، بل لو كان ذلك الشخص هو أبا بكر الصديق، رضي الله عنه بنفسه ، لما ساغ لأحد أن يدعوه، أو يستغيث به ، أو يصرف له شيئا من العبادات، من دون الله رب العالمين؛ فصرف شيء العبادة لغير الله؛ شرك أكبر ، ومُخرجٌ من الملة ، حتى ولو كان المصروف إليه ملكًا مقربًا أو نبيًا مرسلًا ، فضلًا عن كونه من الصالحين .
وقد قال سبحانه : وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ المائدة : 116 - 118 .
فالصالح إنما يُنتفع بسيرته ، ولا تُصرف له العبادة من دون الله .
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (222699) .
وقد سبق البيان: أنه لا يجوز طلب الدعاء أو الشفاعة من الميت ، وخاصة عند قبره ؛ لأنه يكون عنده أشد تعلقا به ، وهذا من البدع المنكرة والوسائل المفضية إلى الشرك وسؤال غير الله ، وقد يصل به الحال إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة ، وهو يحصل كثيرا في هؤلاء ؛ لشدة تعلقهم بالميت حتى إن جهالهم يصرفون العبادة المحضة ، من سجود ، أو طواف، أو نذر، أو ذبح ، للمقبور في قبره، من دون الله تعالى.
والشفاعة إنما تطلب من الله ، لا من المخلوقين ، ويأذن الله في الشفاعة لمن يشاء من عباده الصالحين ويرضى ، وذلك لا يكون إلا يوم القيامة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" لَيْسَ فِي الزِّيَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ حَاجَةُ الْحَيِّ إلَى الْمَيِّتِ وَلَا مَسْأَلَتُهُ وَلَا تَوَسُّلُهُ بِهِ ؛ بَلْ فِيهَا مَنْفَعَةُ الْحَيِّ لِلْمَيِّتِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَرْحَمُ هَذَا بِدُعَاءِ هَذَا وَإِحْسَانِهِ إلَيْهِ ، وَيُثِيبُ هَذَا عَلَى عَمَلِهِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (27 / 71)
وقال أيضا رحمه الله :
" وما يفعلونه من دعاء المخلوقين كالملائكة أو كالأنبياء والصالحين الذين ماتوا مثل دعائهم مريم وغيرها وطلبهم من الأموات الشفاعة لهم عند الله لم يبعث به أحد من الأنبياء " انتهى من "الجواب الصحيح" (5 / 187)
وينظر للأهمية مزيدا من النقول والتقرير حول هذه المسألة في جواب السؤال رقم :(153666).
وقد تحدثنا في كثير من الأجوبة حول الأضرحة وما يحدث عندها ، فانظر : (215429)، (112867)، (221052)، (215648)، (153666)، (34575).
والله أعلم.