في حديث جابر: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) ماذا جرى بعد الحادثة، هل واصل النبي الخطبة والصلاة مع اثني عشر شخصا؟
الحمد لله.
الحادثة المذكورة أخرجها الإمام مسلم في "صحيحه" (863) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ ، فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ: ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) [الجمعة: 11] ".
وفي رواية عند مسلم ، قال : " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَقَدِمَتْ سُوَيْقَةٌ ، قَالَ : فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا أَنَا فِيهِمْ ، قَالَ فَأَنْزَلَ اللهُ : ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) الجمعة/11 إِلَى آخِرِ الْآيَةِ".
وفي رواية أخرى عند مسلم ، قَالَ : " بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، إِذْ قَدِمَتْ عِيرٌ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَابْتَدَرَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، قَالَ : وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا ) الجمعة/11.
وظاهر الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخطبة ولم يقطعها ؛ وصلى بهم صلاة الجمعة .
كما أن ظاهر الحديث أن الذي خرجوا لم يعودوا، ولذلك استحقوا التوبيخ من الله تعالى.
غير أن العلماء الذين ذهبوا إلى أن صلاة الجمعة لا تصح حتى يحضرها أربعون رجلًا، حملوا هذا الحديث على أنهم رجعوا وصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو خلاف الظاهر.
قال النووي في "شرحه على مسلم" (6/151):
" وفيه دليل لمالك وغيره، ممن قال تنعقد الجمعة باثني عشر رجلا.
وأجاب أصحاب الشافعي وغيرهم ممن يشترط أربعين: بأنه محمول على أنهم رجعوا، أو رجع منهم تمامُ أربعين؛ فأتم بهم الجمعة " انتهى.
وقال ابن رجب في "فتح الباري" (8/310):
" وقد استدل البخاري وخلقٌ من العلماء على أن الناس إذا نفروا عن الإمام وهو يخطب للجمعة ، وصلى الجمعة بمن بقي : جاز ذلك ، وصحت جمعتهم .
وهذا يرجع إلى أصلٍ مختلفٍ فيه ، وهو العدد الذي تنعقد به الجمعة ، وقد اختلف في ذلك .....
ثم ذكر اختلاف العلماء في ذلك " انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين في "فتح ذي الجلال بشرح بلوغ المرام" (2/326):
"ويُستفاد من هذا الحديث: أن الجمعة تنعقد باثني عشر رجلًا لقوله: (لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلًا).
ولكن لمعارض أن يعارض فيقول: لعلهم رجعوا قبل أن يتم خطبته، فصاروا أربعين.
وهذا يقوله من يرى أن العدد لا بد أن يكون أربعين.
ولكن في هذا نظر، لأننا نقول: الأصل عدم الرجوع، والثاني: ظاهر الحديث أنهم ما رجعوا؛ لأنه قال: (لم يبق إلا اثنا عشر رجلًا)، ولو كانوا قد رجعوا لكان يجب أن يذكر ، لما فيه من زوال اللوم عنهم" انتهى.
وقد سبق في موقعنا اختيار أنه لا يشترط في صحة الجمعة عدد معين ، وأنها تصح بما تصح به الجماعة ، وذلك في جواب السؤال رقم: (217682)، و(7718).
والله أعلم.