أنا أسكن في بلاد الغربة ، وبما أنني أدرس بالنهار بحثت عن عمل بالليل للضرورة ؛ لأنَّ والدي لا يستطيع دفع تكاليف المدرسة ، فأنا المرأة المسلمة الوحيدة التي تعمل هناك في مطبخ لدار العجزة ، وعملي يحتم عليَّ طبخ لحم الخنزير ، وصب الخمر في الكؤوس ، وغير ذلك ، فما حكم الشرع في ذلك ؟ للعلم بحثت عن عمل في مكان آخر ، ولم يتقبلوني ؛ لأنني أرتدي الحجاب .
الحمد لله.
أولاً :
شرعَ الله تعالى في الإسلام أحكاماً غاية في الحكمة ، وجاءت الأحكام لتُصلح حال الفرد والمجتمع ، ومن خالف هذه الأحكام فإنه يُعرض نفسه لعقوبة الآخرة ، وقد يُعاقب في الدنيا قبل ذلك .
ولسنا في صدد تفصيل عظيم حكَم الله تعالى في تشريعاته ، إلا أننا اضطررنا لهذه التقدمة بسبب سؤال أختٍ مسلمة تبحث عن حكم دراستها أو عملها ، وهي تعيش بين الكفار ، وفي بلادهم ، ويضايقونها بسبب التزامها بدينها ، فأي نفسية تعيش به تلك المسلمة وغيرها كثير من مثيلاتها ؟! ومتى سينتبه الآباء والأمهات فيستيقظون من غفلتهم ، ويتركون تلك الديار التي أضاعت على كثيرين دينهم وشخصيتهم ، وها هم العقلاء يعضون أصابع الندم على اهتمامهم بالمال على حساب دينهم وأعراضهم .
ثانياً :
الإقامة في ديار الكفر محرَّمة على من يعجز عن إظهار دينه ، أو يخشى أن يفتن في دينه .
وانظري جواب السؤال رقم : ( 27211 )
ثالثاً :
دراستك في تلك البلاد لا شك أنها مختلطة ، ولا شك أنكِ ترين من المعاصي والفجور في تلك الأماكن ما يؤلم قلب المسلم العفيف ، فلو كانت الدراسة في بلاد الإسلام مختلطة ما جازت ، فكيف ستكون جائزة في ديار الكفر ؟
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"دراسة المرأة للعلوم الشرعية وغيرها مما تحتاج إليه المرأة أو يعينها على معرفة أمور دينها مشروعة ، إذا لم يترتب عليها محذور شرعي ، أما إذا ترتب عليها محذور شرعي : كالاختلاط بالرجال غير المحارم ، وعدم الحجاب : فإنها لا تجوز ؛ لأن هذه أمور محرمة ؛ ولأن ذلك يؤدي إلى الفساد" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 170 ، 171 ) .
وقالوا – أيضاً - :
"الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها : من المنكرات العظيمة ، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا ، فلا يجوز للمرأة أن تَدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء ، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 156 ) .
رابعاً :
عملك في دار العجزة أيضاً محرَّم ؛ لكونه مختلطاً بالرجال ؛ ولكونه يشتمل على صنع الطعام من لحم الخنزير الذي نصَّ الله تعالى على حرمته ، وكذا السنَّة النبوية ، وإجماع المسلمين ؛ ولكونه يشتمل على تقديم الخمر التي جاء تحريمها في الكتاب والسنَّة والإجماع .
قال علماء اللجنة الدائمة :
"لا يجوز للمرأة أن تشتغل مع رجال ليسوا محارم لها ؛ لما يترتب على وجودها معهم من المفاسد ، وعليها أن تطلب الرزق من طرق لا محذور فيها ، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً ، وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك ، هذا نصها :
أما حكم اختلاط النساء بالرجال في المصانع ، أو في المكاتب ، بالدول غير الإسلامية : فهو غير جائز ، ولكن عندهم ما هو أبلغ منه ، وهو الكفر بالله جل وعلا ، فلا يستغرب أن يقع بينهم مثل هذا المنكر ، وأما اختلاط النساء بالرجال في البلاد الإسلامية وهم مسلمون : فحرام ، وواجب على مسئولي الجهة التي يوجد فيها هذا الاختلاط أن يعملوا على جعل النساء على حدة والرجال على حدة ؛ لما في الاختلاط من المفاسد الأخلاقية التي لا تخفى على من له أدنى بصيرة" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 17 / 232 ، 233 ) .
وللوقوف على زيادة فائدة حول حكم عمل المرأة ، وشروط جوازه : انظري جواب السؤال رقم ( 22397 ) .
وفي جواب السؤال رقم ( 6666 ) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط .
وانظري جواب السؤال رقم ( 26788 ) فهو شبيه سؤالك .
والله أعلم