ما حكم صلاة جماعة مكونة من فردين إذا تقدم الإمام علي المأموم، ولم يكونا بمحاذاة بعضهم البعض، ولا كان أطراف أصابع المأموم بمحاذاة كعب الإمام ؟ هل في هذه الحالة الصلاة باطلة، ويجب إعادتها ؟
الحمد لله.
المأموم الواحد يقف مع الإمام بمحاذاته على الجهة اليمنى، وهذا الذي عليه جماهير أهل العلم.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:
" الإمام إذا لم يأتم به غير واحد، فإنه يقيمه عن يمينه بحذائه، ولو كان صبيا لم يبلغ الحلم.
وهذا كالإجماع من أهل العلم.
وقد حكاه الترمذي فِي "جامعه" عَن أهل العلم من أصحاب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - فمن بعدهم، قالوا: إذا كان الرّجل مع الرّجل يقوم عن يمين الإمام.
وحكاه ابن المنذر عَن أكثر أهل العلم... " انتهى من"فتح الباري" (6 / 197 – 198).
وبهذا وردت الأحاديث، وأشارت إلى أنه يساويه في الموقف لا يتقدم عليه ولا يتأخر.
ولذا بوّب البخاري رحمه الله في "الصحيح": " يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإمَامِ بحذائهِ سواءً، إذا كَاناَ اثْنَيْنِ".
ثم ساق حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ... " البخاري (697).
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:
" مراده بهذا التبويب: أنّه إذا اجتمع في الصلاة إمام ومأموم، فإن المأموم يقوم عَن يمين الإمام بحذائه سواء - أي: مساويا له في الموقف، من غير تقدم ولا تأخر... " انتهى من"فتح الباري" (6 / 197).
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( سَوَاءً ) أي لا يتقدّم ولا يتأخّر، وفي انتزاع هذا من الحديث الّذي أورده بُعد…
وكأنّ المصنّف أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه، فقد تقدّم في الطّهارة من رواية مخرمة عن كريب عن ابن عبّاس بلفظ: ( فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ )، وظاهره المساواة.
وروى عبد الرّزّاق عن بن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس نحوا من هذه القصّة.
وعن ابن جريج قال: " قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الرَّجُلُ يُصَلِّي مَعَ الرَّجُلِ أَيْنَ يَكُونُ مِنْهُ؟
قَالَ: إِلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ.
قُلْتُ: أَيُحَاذِي بِهِ، حَتَّى يَصُفَّ مَعَهُ، لَا يَفُوتُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَتُحِبُّ أَنْ يُسَاوِيَهُ حَتَّى لَا تَكُونَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ ".
وفي "الموطّأ"، عن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، قال: ( دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْهَاجِرَةِ فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ، فَقُمْتُ وَرَاءَهُ، فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ عَنْ يَمِينِهِ ). " انتهى من "فتح الباري" (2 / 190 – 191).
ويتأيّد هذا برواية لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، حيث قَالَ:
" أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَجَرَّنِي، فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ، فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلاتِهِ، خَنَسْتُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِي: مَا شَأْنِي أَجْعَلُكَ حِذَائِي فَتَخْنِسُ؟
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوَيَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حِذَاءَكَ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ الَّذِي أَعْطَاكَ اللهُ؟
قَالَ: فَأَعْجَبْتُهُ، فَدَعَا اللهَ لِي أَنْ يَزِيدَنِي عِلْمًا وَفَهْمًا... " " المسند" (5 / 178)، وصحح إسناده محققو المسند، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6 / 174 - 175)، حيث قال:
" وقال الحاكم:صحيح على شرط الشيخين.
ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وقال الهيثمي: رواه أحمد،ورجاله رجال الصحيح " انتهى.
خَنَسْتُ: أي تأخرت.
مخالفة هذه الهيئة بتأخر المأموم، على حالين:
الحالة الأولى: أن يكون هذا التأخر يسيرا، لا يخرج به المأموم عن مصافة الإمام، لكنه يكون معه على هيئة صف متعرج ، فهذا لا يبطل الصلاة ، بل ذهب بعض من العلماء إلى أن هذا هو الأفضل .
واختلفوا في مقدار هذا التأخر.
جاء في "العناية شرح الهداية" من كتب الحنفية (1 / 252):
" ولا يتأخر المقتدي الواحد عن الإمام في ظاهر الرواية، وعن محمد أنه يضع أصابعه عند عقب الإمام " انتهى.
وقال النووي رحمه الله تعالى:
" السنة أن يقف المأموم الواحد عن يمين الإمام، رجلا كان أو صبيا، قال أصحابنا: ويستحب أن يتأخر عن مساواة الإمام قليلا " انتهى من"المجموع" (4 / 292).
وهذه الهيئة وإن كانت مخالفة لظاهر السنة؛ إلا أنه لا يحكم ببطلان صلاة المأموم لعدم الدليل، ويشير أيضا لعدم بطلانها حديث ابن عباس الذي في "المسند"، والذي سبق ذكره، فلو كان التأخر مبطلا للصلاة، لبيّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما.
الحالة الثانية: أن يتأخر المأموم عن الإمام تأخر كثيرا ، بحيث يخرج عن كونه واقفا عن يمينه ، وإنما يكون خلفه ، فهذا مبطل للصلاة .
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (194500).
والله أعلم.