الحمد لله.
أولاً :
السنة أن يقف المأموم إذا كان واحداً ذكراً عن يمين الإمام ؛ لما روى البخاري (726) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى " .
قال ابن قدامة رحمه الله : "
وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا ذَكَرًا , فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ عَنْ
يَمِينِ الْإِمَامِ رَجُلًا كَانَ , أَوْ غُلَامًا ; لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ "
انتهى من " المغني " (2/25) .
ثانياً :
صلاتك خلف الإمام حكمها حكم صلاة المصلي منفردا خلف الصف ، وقد اختلف أهل العلم
رحمهم الله في صحتها على أقوال :
القول الأول – وهو المشهور
من مذهب الحنابلة - : أن من صلى خلف الإمام أو خلف الصف منفرداً ، فإن صلاته لا تصح
، وتلزمه الإعادة ، ويستوي في ذلك المعذور وغير المعذور .
قال البهوتي رحمه الله : "
ولا تصح صلاة الفذ أي : الفرد ، خلف الإمام ، أو خلف الصف ، إن صلى ركعة فأكثر ،
عامدًا أو ناسيًا ، عالمًا أو جاهلاً ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لا صلاة لفرد
خلف الصف ) رواه أحمد وابن ماجه ، ورأى عليه الصلاة والسلام رجلا يصلي خلف الصف ،
فأمره أن يعيد الصلاة ، رواه أحمد والترمذي وحسنه ، وابن ماجه ، وإسناده ثقات "
انتهى من " الروض المربع شرح زاد المستقنع " (2/337 -338) .
والقول الثاني – وهو مذهب
الجمهور - : أن المصلي خلف الصف أو خلف الإمام منفرداً ، صلاته صحيحة .
جاء في " الموسوعة الفقهية "
(27/184-185) : " وَلِذَلِكَ يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَاحِدٌ مُنْفَرِدًا خَلْفَ
الصُّفُوفِ دُونَ عُذْرٍ , وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ , وَتَنْتَفِي
الْكَرَاهَةُ بِوُجُودِ الْعُذْرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ . وَهَذَا عِنْدَ
جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ : - الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ -
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه :
أَنَّهُ انْتَهَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَاكِعٌ , فَرَكَعَ
قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ , فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم فَقَالَ : ( زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ ) . قَالَ الْفُقَهَاءُ :
يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ , وَأَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي
وَرَدَ فِي حَدِيثِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ :
( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ ,
فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ ) . هَذَا الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ : إنَّمَا
هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ ; جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ " انتهى .
والقول الثالث – وهو اختيار
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو قول لبعض أهل العلم - : لا تصح الصلاة خلف
الصف منفرداً ، إلا مع العذر ، والعذر هو اكتمال الصف الذي أمامه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله : " يدل انفراد الإمام والمرأة على جواز انفراد الرجل المأموم لحاجة ،
وهو ما إذا لم يحصل له مكان يصلى فيه إلا منفردا .. ولأن واجبات الصلاة وغيرها تسقط
بالأعذار فليس الاصطفاف إلا بعض واجباتها ، فسقط بالعجز " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (23/246) .
وقال الشيخ ابن عثيمين بعد أن ذكر اختلاف العلماء في المسألة :
"وهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام هو اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله
، وهو الذي نراه صواباً : أنه إذا كان الصف تاماً فصلِ وحدك ، ولا تجذب أحداً ، ولا
تتقدم للصلاة مع الإمام ، هذا هو القول الصحيح الذي نراه أقرب إلى السنة من القول
بالبطلان مطلقاً أو بالصحة مطلقاً " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " .
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (11199)
.
ثانياً :
ظاهر الأحاديث التي تدل على لزوم إعادة الصلاة لمن صلى خلف الصف منفردا ، ظاهرها
أنه يستوي في ذلك الجاهل والعالم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْعَالِمِ
وَالْجَاهِلِ ، كَقَوْلٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ فَلَا يُسَوَّغُ ، فَإِنَّ
الْمُصَلِّيَ الْمُنْفَرِدَ [يعني : الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالإعادة]
لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالنَّهْيِ ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ ، كَمَا أَمَرَ
الْأَعْرَابِيَّ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ بِالْإِعَادَةِ " انتهى من " مجموع
الفتاوى " (23/397) .
وقال الشيخ أحمد بن عبد
الرحمن القاضي حفظه الله : " سألت شيخنا – يعني ابن عثيمين - رحمه الله : هل يعذر
المنفرد خلف الصف بالجهل ؛ استدلالاً بحديث أبي بكرة ، وقول النبي صلى الله عليه
وسلم له ( زادك الله حرصاً ولا تعد ) ؟
فأجاب : كلا ، بل يؤمر بالإعادة ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ،
وأما أبو بكرة رضي الله عنه ، فقد دخل في الصف " انتهى من " ثمرات التدوين من مسائل
ابن عثيمين " .
ثالثا : سبق في الفتوى رقم :
(45648) أن من كان يصلي على صفة غير صحيحة
، ولكنه لم يكن عالما بالحكم أنه يؤمر بإعادة الصلاة إذا كان وقتها باقيا ، أما إذا
خرج وقتها فإنه لا يلزمه إعادتها ، ويكفيه أن يصحح صلاته في المستقبل . وذكرنا في
الفتوى المشار إليها الأدلة على ذلك من السنة النبوية .
وبناء على هذا ، فلا يلزمك أن تعيد تلك الصلاة ، ولكن لا تَعُدْ إلى هذا الفعل مرة
أخرى .
والله أعلم .
تعليق