قرأت كلاما للشيخ ابن باز رحمه اللّٰه تعالى في موقعه الرسمي، وكذلك الشيخ ابن عثيمين في شرحه لكتاب الصيام من الشرح الممتع، أن النبي ﷺ كان يحيي الليل كله في العشر الأواخر، وسمعت كلاما آخر لعلماء آخرين أنه كان يحيي معظمه لا كله، فإن قلنا بالقول الأول، فمتى كان النبي ﷺ ينام؟ يعني هل ينام نهارا؟ أم لا ينام في العشر كلها؟
الحمد لله.
اختلف أهل العلم في كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل كله في الليالي العشر الأواخر من رمضان، أم يقوم معظم الليل، وسبب اختلافهم في ذلك تعارض حديثين رُويا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
أما الأول ، فأخرجه البخاري في "صحيحه" (2024)، ومسلم في "صحيحه" (1174) ، من حديث عائشة رضي الله عنها ، قال :" كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ".
وأما الحديث الثاني ، فأخرجه مسلم في "صحيحه" (746) ، من حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : "وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ" .
فتعارض قولها :" وأحيا ليله " ، مع قولها " وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح " .
فمن أهل العلم من حمل قولها " ما رأيته قام ليلة حتى الصباح " : على هديه العام الراتب، المستمر طوال العام، واستثنى من ذلك العشر الأواخر لفضلها .
قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (8/71) :" وَقَوْلُهَا : ( أَحْيَا اللَّيْلَ ) : أَيِ اسْتَغْرَقَهُ بِالسَّهَرِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا .
وَقَوْلُهَا : ( وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ) : أَيْ أَيْقَظَهُمْ لِلصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ، وَجَدَّ فِي الْعِبَادَةِ زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ.
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُزَادَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. وَاسْتِحْبَابُ إِحْيَاءِ لَيَالِيهِ بِالْعِبَادَاتِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا: يُكْرَهُ قِيَامُ اللَّيْلِ كُلِّهِ؛ فَمَعْنَاهُ: الدَّوَامُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِكَرَاهَةِ لَيْلَةٍ وَلَيْلَتَيْنِ وَالْعَشْرِ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين، في "فتح ذي الجلال" (3/292) :" وقوله:" أحيا ليله "، أي: سهر الليل فلم ينم لاشتغاله صلى الله عليه وسلم بالقيام، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه يقوم الليل كله إلا في العشر الأواخر من رمضان، فإنه كان يحيي الليل كله .
ولكن إذا قال قائل: كيف يتأتى ذلك مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يفطر ويصلي المغرب ويصلي العشاء ويتوضأ ويقضي حاجته؟
فالجواب: أن الاستعداد للعبادة من العبادة ، فالمعنى: أنه يتهيأ للقيام من حين ما ينتهي من صلاة العشاء " انتهى.
ومن أهل العلم من حمل قولها : " وأحيا ليله "؛ على أنها تقصد معظم الليل، لا كله؛ بدلالة الحديث الآخر.
قال العيني في "عمدة القاري" (11/139):" قَالَ شَيخنَا: وَفِي حَدِيث عَائِشَة فِي الصَّحِيح إحْيَاء اللَّيْل كُله، وَالظَّاهِر وَالله أعلم: مُعظم اللَّيْل ، بِدَلِيل قَوْلهَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح: مَا عَلمته قَامَ لَيْلَة حَتَّى الصَّباح "انتهى.
وقال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/284) :" ( وَلَا يَقُومُهُ ) أَيْ: اللَّيْلَ ( كُلَّهُ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ " مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ " وَظَاهِرُهُ حَتَّى لَيَالِي الْعَشْرِ" انتهى.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في "منحة الباري بشرح صحيح البخاري" (4/456) :" ( وأَحْيى لَيْلَه ) أي: ترك النوم الذي هو أخو الموت، واشتغل بالعبادة معظم الليل، لا كلّه ؛ لقولها في الصحيح: ما علمته قام ليلة حتَّى الصباح "انتهى.
وقد جاءت بعض الأحاديث التي تقوي كونه كان يقوم الليل كله في العشر الأواخر، لكنها لا تصح .
فمن هذه الأحاديث ، ما أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (25136) ، من طريق جَابِرٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ لَمِيسَ ، عن عَائِشَةُ قَالَتْ:" وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْلِطُ الْعِشْرِينَ بِصَلَاةٍ وَنَوْمٍ، فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ شَمَّرَ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ" .
وإسناده ضعيف جدا .
فيه " جابر بن يزيد الجعفي "، وهو ضعيف جدا ، قال فيه الذهبي في "الكاشف" (739) :" وثقه شعبة فشذ وتركه الحفاظ "انتهى.
وفيه " يزيد بن مرة " ، قال فيه البخاري كما في "التاريخ الكبير" (8/359) :" ولا يصح حديثه " انتهى، وقال فيه ابن حجر كما في "تعجيل المنفعة" (1188) :" فيه نظر "انتهى.
وفيه " لميس "، مجهولة، ترجم لها ابن حجر في "تعجيل المنفعة" (1655)، ولم يذكر فيها شيئا.
ومنها ، ما أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/306) ، من طريق عنبسة ، عن الربيع بن صبيح ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ أَنَسٍ ، قُلْنَا لَهُ: "أَخْبِرْنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، يَا أَبَا حَمْزَةَ ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَهِدَ رَمَضَانَ قَامَ وَنَامَ؛ فَإِذَا كَانَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَمْ يَذُقْ غَمْضًا".
وإسناده ضعيف.
فيه " الربيع بن صبيح " : صدوق سيء الحفظ، كما قال ابن حجر في "التقريب" (1895) .
وفيه " عنبسة بن جبير " ، قال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (1407) :" عنبسة بن جبير عن الربيع بن صبيح: مجهول بالنقل، لا يتابع على حديثه، من حديثه ما حدثناه .. " انتهى، ثم ساق حديثه هذا .
وعلى كلٍ تبقى المسألة محتملة، وإن كان الظاهر أنه كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل كله في العشر الأواخر، دون ما سواها من ليالي العام .
ثانيا:
المتتبع لسنته صلى الله عليه وسلم يجد أنه عليه السلام كان يداوم على النوم في ثلاثة أوقات ، أول الليل، وآخره بعد الوتر وقبل الفجر عند السحر، والقيلولة .
قال ابن القيم في "زاد المعاد" (4/219) :" مَنْ تَدَبَّرَ نَوْمَهُ وَيَقَظَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَهُ أَعْدَلَ نَوْمٍ، وَأَنْفَعَهُ لِلْبَدَنِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى، فَإِنَّهُ كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَيَسْتَيْقِظُ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي، فَيَقُومُ وَيَسْتَاكُ، وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، فَيَأْخُذُ الْبَدَنُ وَالْأَعْضَاءُ ، وَالْقُوَى حَظَّهَا مِنَ النَّوْمِ وَالرَّاحَةِ، وَحَظَّهَا مِنَ الرِّيَاضَةِ مَعَ وُفُورِ الْأَجْرِ، وَهَذَا غَايَةُ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
وَلَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنَ النَّوْمِ فَوْقَ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنَ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ مِنْهُ ". انتهى.
وقد جاءت الأحاديث بالدلالة على ذلك :
فقد روى البخاري في "صحيحه" (1146) ، ومسلم في "صحيحه" (739) ، من حديث الأسود بن يزيد قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ وَيَقُومُ آخِرَهُ، فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ وَثَبَ ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ، اغْتَسَلَ وَإِلَّا تَوَضَّأَ وَخَرَجَ".
وروى البخاري في "صحيحه" (183) ، ومسلم في "صحيحه" (763) ، من حديث ابن عباس:" أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ خَالَتُهُ ، قال: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الوِسَادَةِ ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأْسِي ، وَأَخَذَ بِأُذُنِي اليُمْنَى يَفْتِلُهَا ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَوْتَرَ ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ المُؤَذِّنُ ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ ".
وروى النسائي في "سننه" (1651) ، من حديث سعد بن هشام بن عامر ، أنه قال لأم المؤمنين عائشة :" أَخْبِرِينِي عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ فَيَنَامُ، فَإِذَا كَانَ جَوْفُ اللَّيْلِ قَامَ إِلَى حَاجَتِهِ وَإِلَى طَهُورِهِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ يَضَعُ جَنْبَهُ فَرُبَّمَا جَاءَ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُغْفِيَ، وَرُبَّمَا يُغْفِي، وَرُبَّمَا شَكَكْتُ أَغْفَى أَوْ لَمْ يُغْفِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ بِالصَّلَاةِ ، فَكَانَتْ تِلْكَ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَسَنَّ وَلُحِمَ، فَذَكَرَتْ مِنْ لَحْمِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ".
والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1223) .
وروى البخاري في "صحيحه" (1133) ، من حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت :" مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلَّا نَائِمًا، تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
فتبين من هذه الأحاديث موضعين كان يداوم النبي صلى الله عليه وسلم على النوم فيهما ؛ إلا أن هذا في غير العشر الأواخر .
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (3/88) :" وقولها: " ما ألفى السحرُ الأعلى نَبِي الله في بيتي إلا نائماً ": تعنى - والله أعلم - قبل الفجر، وبعد قيامه ، على ما جاء : أنه إذا أوتر اضطجع، وعلى ما قالت في الحديث الآخر الصحيح: أن قيام داود ينام نصفه ، ويقوم ثلثه وينام سدسه . وعلى قولها في الحديث: ينام أوله ويُحيى آخرها ، ثم ينام ليستريح من تعب القيام ، وينشط لصلاة الصبح .
والنومُ بعد القيام، آخرَ الليل: مستحسن ، مذهِبٌ لكَلَلِ السهر وذبول الجسم وصفرة اللون بسببه، بخلاف إيصال السهر بالصباح، وقد يكون فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا في الليالي الطوال ، كما قد جاء في الأحاديث الأخر، وفي غير شهر رمضان " انتهى
وبقي موضع أخير وهو القيلولة، وهذا الذي يغلب على الظن أنه كان صلى الله عليه وسلم ينام فيه في الليالي العشر .
ومما يرجح ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يعتادون النوم في القيلولة، وهي النوم نصف النهار .
فقد روى البخاري في "صحيحه" (2910) ، ومسلم في "صحيحه" (843) ، من حديث جابر بن عبد الله :" أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ ، وَنِمْنَا نَوْمَةً ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا ، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي ، وَأَنَا نَائِمٌ ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ، - ثَلاَثًا - وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ".
وروى البخاري في "صحيحه" (905) ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:" كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ وَنَقِيلُ بَعْدَ الجُمُعَةِ".
وروى البخاري في "صحيحه" (941) ، ومسلم في "صحيحه" (859) ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ:"مَا كُنَّا نَقِيلُ، وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ".
قال ابن حجر في "فتح الباري" (11/70) :" فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ "انتهى.
وروى الإمام أحمد في "مسنده" (19452) ، من حديث يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ:"خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا وَرَدْنَا الْبَقِيعَ ، إِذَا هُوَ بِقَبْرٍ جَدِيدٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقِيلَ: فُلَانَةُ، فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: أَلَا آذَنْتُمُونِي بِهَا؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كُنْتَ قَائِلًا صَائِمًا، فَكَرِهْنَا أَنْ نُؤْذِنَكَ ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا، لَا يَمُوتَنَّ فِيكُمْ مَيِّتٌ مَا كُنْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَلَا آذَنْتُمُونِي بِهِ، فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِ لَهُ رَحْمَةٌ قَالَ: ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَصَفَّنَا خَلْفَهُ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا".
وصححه الشيخ الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1239) .
فدلت هذه الأحاديث على مواظبته صلى الله عليه وسلم على نوم القيلولة، فهذا الذي يغلب على الظن أنه كان يعتمد عليه في نومه في العشر الأواخر .
ويستأنس في ذلك بما أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1693) ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ، وَبِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ .
والحديث ضعيف ، ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2758)، لكن ضعفه ليس شديدا، فيستأنس به .
قال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (8/99) :" وعمل السلف والخلف على أن القيلولة مطلوبة لإعانتها على قيام الليل "انتهى.
وخلاصة الأمر :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم وينام، وما كان يقوم الليل كله إلا في العشر الأواخر لفضلها ولعظيم ثوابها ، ولما فيها من ليلة القدر، وأنَّ الغالب أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعين على قيامه واجتهاده في العشر بنومة القيلولة .
والله أعلم .