لي أسئلة حول قوله تعالى في سورة الأعراف : (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)) كيف علم إبليس أن آدم عليه السلام سيكون له ذرية في المستقبل، والله عز وجل يقول في نفس السورة : (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) أي أن كلام إبليس كان قبل إخراج آدم وحواء من الجنة وحملها بأولادها؟
الحمد لله.
قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/30.
فالله سبحانه وتعالى أخبرنا أنَّه قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، ومن معاني الخليفة : أنهم قومٌ يخلف بعضهم بعضًا، قرنًا بعد قرن، وجيلًا بعد جيل .
قال "ابن كثير في "تفسيره" (1/ 216):
"إني جاعل في الأرض خليفة أي: قوما يخلف بعضهم بعضا، قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل، كما قال تعالى: وهو الذي جعلكم خلائف الأرض [الأنعام: 165]، وقال ويجعلكم خلفاء الأرض [النمل: 62] . وقال ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون [الزخرف: 60]، وقال فخلف من بعدهم خلف [مريم: 59] ... وليس المراد هاهنا بالخليفة آدم عليه السلام فقط، كما يقوله طائفة من المفسرين، وعزاه القرطبي إلى ابن مسعود وابن عباس وجميع أهل التأويل، وفي ذلك نظر، بل الخلاف في ذلك كثير، حكاه فخر الدين الرازي في تفسيره وغيره.
والظاهر أنه لم يرد آدم عينا، إذ لو كان كذلك لما حسن قول الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، فإنهم إنما أرادوا أن مِنْ هذا الجنس مَن يفعل ذلك، وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص، أو بما فهموه من الطبيعة البشرية، فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من صلصال من حمإ مسنون، أو فهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ويقع بينهم من المظالم ويرد عنهم المحارم والمآثم، قاله القرطبي ، أو أنهم قاسوهم على من سبق، كما سنذكر أقوال المفسرين في ذلك.
وقول الملائكة هذا: ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، كما قد يتوهمه بعض المفسرين، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول، أي: لا يسألونه شيئا لم يأذن لهم فيه، وهاهنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقا. قال قتادة: وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها، فقالوا: أتجعل فيها الآية؛ وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك؛ يقولون: يا ربنا، ما الحكمة في خلق هؤلاء، مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلي لك كما سيأتي، أي: ولا يصدر منا شيء من ذلك، وهلا وقع الاقتصار علينا؟ قال الله تعالى مجيبا لهم عن هذا السؤال: إني أعلم ما لا تعلمون؛ أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف، على المفاسد التي ذكرتموها؛ ما لا تعلمون أنتم؛ فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد فيهم الصديقون والشهداء، والصالحون والعباد، والزهاد والأولياء، والأبرار والمقربون، والعلماء العاملون والخاشعون، والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله، صلوات الله وسلامه عليهم "، انتهى.
فالحاصل:
أن الملائكة علموا أنَّ آدم عليه السلام له نسل وذرية، إمَّا من خلال فهمهم لمعنى الخليفة، أو بعلم علمهم الله إياه، أو قياسًا على الجن الذين كانوا في الأرض قبل آدم، وكان لهم نسل وذرية.
والشيطان من جملة من حضر هذا الخطاب، فقد فهم ما يكون من ذلك، كفهمهم .
وينظر لمزيد التفصيل جواب سؤال: (كيف علم إبليس أن آدم سيهبط إلى الأرض لما توعد بإغواء آدم وذريته؟)
وانظر للأهمية جواب السؤال رقم: (314889).
والله أعلم.