الحمد لله.
أولًا:
إبليس كان من سكان السماء مع الملائكة
لقد كان إبليس لعنه الله من سكان السماء مع الملائكة، وقد قال الله لهم: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ، فالله سبحانه أعلم الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة، ولما خلق آدم علمت الملائكة أنه المقصود بخلافة الأرض، فمن هنا علم إبليس لعنه الله وجود آدم في الأرض.
وقال ابن كثير(1/ 216): "وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، كما قد يتوهمه بعض المفسرين وقد وصفهم الله تعالى بأنهم (لا يسبقونه بالقول)، أي: لا يسألونه شيئا لم يأذن لهم فيه...
وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون: يا ربنا، ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلي لك كما سيأتي، أي: ولا يصدر منا شيء من ذلك، وهلا وقع الاقتصار علينا؟
قال الله تعالى مجيبا لهم عن هذا السؤال: إني أعلم ما لا تعلمون أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم؛ فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد فيهم الصديقون والشهداء، والصالحون والعباد، والزهاد والأولياء، والأبرار والمقربون، والعلماء العاملون والخاشعون، والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله، صلوات الله وسلامه عليهم." انتهى.
ثانيًا:
كيف علم إبليس أن آدم وذريته سينزلون إلى الأرض؟
لقد كان إبليس - إذًا - يعلم أن هذا المخلوق، وهو آدم عليه السلام، سينزل إلى الأرض، كما قال سبحانه: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ البقرة/30.
وقول الشيطان: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ الحجر.
علم أنَّهم ينزلون إلى الأرض، ويقدر على إغوائهم، كما قال أبو السعود(5/ 183): "وإنما عَلِم تسنِّي ذلك المطلبِ له: تلقّيًا من جهة الملائكةِ عليهم الصلاة والسلام، أو استنباطًا من قولهم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدماء)، أو توسمًا من خَلْقه." انتهى.
وقال ابن عاشور: " تفصيل المحاورة مشعر بأن الله لما خلق آدم، خاطب أهل الملأ الأعلى بأنه خلقه ليعمر به وبنسله الأرض، كما أنبأ بذلك قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) البقرة/30.
فالأرض مخلوقة يومئذ، وخلق الله آدم ليعمرها بذريته، وعلم إبليس ذلك من إخبار الله تعالى الملائكة، فحكى الله من كلامه ما به الحاجة هنا: وهو قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) الآية.
وقد دلت آية سورة الحجر على أن إبليس ذكر في محاورته، ما دل على أنه يريد إغواء أهل الأرض في قوله تعالى: (قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) [الحجر: 39، 40]؛ فإن كان آدم قد خلق في الجنة في السماء ثم أهبط إلى الأرض، فإنَّ علم إبليس بأن آدم يصير إلى الأرض قد حصل من إخبار الله تعالى بأن يجعله في الأرض خليفة، فعلم أنه صائر إلى الأرض بعد حين"، انتهى من"التحرير والتنوير" (8 ب/ 48).
والله أعلم.
تعليق