الحمد لله.
الواجب على هذا الشخص أن يتوب إلى الله تعالى من تأخير الحق هذه المدة الطويلة.
وإذا كان إخبار صاحب البقرة بالأمر يُخشى أن تترتب عليه مفسدة، فلا حرج أن يعطيه المال دون أن يخبره بأنه قيمة البقرة.
وأما هل تلزم قيمة البقرة بسعر اليوم أم بسعر يوم الإتلاف؟
فهذا ينبني على: ما الذي وجب في ذمته؟
وبيان ذلك :
أن من أتلف بقرة هل يلزمها مثلها، أم قيمتها؟
فإذا قلنا: يلزمه المثل، ففي ذمته بقرة، فإما أن يؤديها أو يخرج قيمتها بسعر اليوم.
وإذا قلنا: تلزمه القيمة، فالقيمة دين في ذمته من ذلك اليوم، فعليه أن يؤدي هذه القيمة المستقرة في ذمته من أربعين سنة، لكن نظرا لتغير قيمة العملة، فإن الواجب أن يعوض صاحبه، فيخرج تلك القيمة مع التعويض. وينظر في بيان ذلك جواب السؤال رقم:(215693).
وسبب الخلاف: هو اختلاف الفقهاء في المثلي الذي يُضمن بمثله، هل هو "كل مكيل أو موزون ليس فيه صناعة مباحة، يصح السَّلَم فيه"، فلا يدخل في ذلك الحيوان... أم المثلي "ما كان له مثيل مطابق أو مقارب تقارباً كثيراً"؟
والصحيح الثاني.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ضابطه [أي المثلي] عند الفقهاء: كل مكيل أو موزون ليس فيه صناعة مباحة، يصح السَّلَم فيه ...
والصحيح: أن المثلي ما كان له مثيل مطابق أو مقارب تقارباً كثيراً، ويدل لهذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لزوجته التي كسرت الإناء، وأفسدت الطعام: إناء بإناء، وطعام بطعام ولم يضمنها بالقيمة، ثم إننا نقول: الصناعة الآن تتقدم، ومن المعلوم أن الفناجيل ـ مثلاً ـ من الزجاج مصنوعة، وهي مثلية قطعاً، فمماثلة الفنجال للفنجال أشد من مماثلة صاع البر لصاع البر، وهذا أمر معلوم، والحلي ـ مثلاً ـ والأقلام، والساعات، كل هذه مثلية، وهي على حد الفقهاء ليست مثلية. فالصواب إذاً: أن المثلي ما كان له مماثل أو مقارب مقاربة تامة" انتهى من "الشرح الممتع" (10/120).
وقد سبق ابن القيم رحمه الله إلى تقرير ذلك تقريرا حسنا.
قال ابن القيم رحمه الله: " الأصل الثاني: أن جميع المتلفات تضمن بالجنس، بحسب الإمكان، مع مراعاة القيمة، حتى الحيوان؛ فإنه إذا اقترضه رُدّ مثله، كما اقترض النبي صلى اللَّه عليه وسلم بَكْرًا وردَّ خيرًا منه ...
وقصة داود وسليمان -صلى اللَّه عليه وسلم- من هذا الباب؛ فإن الماشية كانت قد أتْلفت حرْث القوم، فقضى داودُ بالغنم لأصحاب الحرْث، كأنه ضمَّنهم ذلك بالقيمة، ولم يكن لهم مال إلا الغَنَم، فأعطاهم الغنم بالقيمة، وأما سليمان فحكم بأن أصحاب الماشية يقومون على الحرث حتى يعود كما كان، فضمّنهم إياه بالمِثْل، وأعطاهم الماشية يأخذون منفعتها، عوضًا عن المنفعة التي فاتت من غلّة الحرث إلى أن يعود، وبذلك أفتى الزهري لعمر بن عبد العزيز فيمن أتلف له شجر، فقال الزهري: يغرسُه حتى يعود كما كان، وقال ربيعة وأبو الزناد: عليه القيمة، فغلَّظ الزهري القول فيهما.
وقول الزهري وحكم سُليمان هو موجب الأدلة؛ فإن الواجب ضمان المُتْلف بالمثل بحسب الإمكان، كما قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى: 40] وقال: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة: 194] وقال: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة: 45] وقال: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل: 126].
وإن كان مِثلُ الحيوان والآنية والثياب من كل وجه متعذرًا، فقد دار الأمر بين شيئين:
1-الضمان بالدراهم المخالفة للمثل في الجنس والصفة والمالية والمقصود والانتفاع، وإن ساوت المضمون في المالية.
2- والضمان بالمثل، بحسب الإمكان، المساوي للمُتلف في الجنس والصفة والمالية والمقصود والانتفاع.
ولا ريب أن هذا أقربُ إلى النص والقياس والعدل.
ونظير هذا: ما ثبت بالسنة واتفاقِ الصحابة، من القصاص في اللّطْمة والضربة. وهو منصوصُ أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد، وقد تقدم تقرير ذلك.
وإذا كانت المماثلة من كل وجه متعذرة، حتى في المكيل والموزون؛ فما كان أقرب إلى المماثلة، فهو أولى بالصواب، ولا ريب أن الجنس إلى الجنس، أقرب مماثلة من الجنس إلى القيمة؛ فهذا هو القياس، وموجَب النصوص، وبالله التوفيق" انتهى من "إعلام الموقعين" (2/296).
وعليه؛ فنقول: الواجب في ذمته بقرة شبيهة بالبقرة التي أتلفها، فإذا لم يؤد البقرة الآن، أدى قيمتها بسعر اليوم.
ولا يلزم أن يعرفه بذلك، إذا خشي من ذلك مفسدة راجحة، أو فسادا لذات البين، ولا ينفعه أيضا أن يتصدق عن صاحبها، بل إن لم يؤد إليه بقرة مماثلة، وضع له ثمن البقرة، بسعر اليوم، ولو من دون علمه.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم:(220949)، ورقم:(83099).
والله أعلم.