يقول العلماء: إنّ شمع الشيلاك والكارماين لتلوين الطعام بالأحمر نجس، لكن إذا كانت مشتقات الحشرات نجسة لكان العسل محرّما، أليس كذلك؟ إذا افترضنا أن شمع الشيلاك محرّم، ويستخدم في الغالب لتشميع الفاكهة، لكن نبات الكرنوبا البرازيلي يستخدم أيضًا بشكل شائع في شمع الفاكهة، فعندما أشتري الفاكهة لا أعرف أيّ نوع من الشمع هو. فهل يحلّ لي أن أفترض أنه طاهر، مع العلم أنّ هذا النبات يُستخدم تجاريًا بشكل شائع لتشميع الفاكهة؟ في الحقيقة مما يزيد من تعقيد مشكلتي أنّه يتم استخدام الكحول في بعض الحالات على الشيلاك لتذويبه، ويمكن العثور على آثار الحشرة على الفاكهة، فهل فحص الفاكهة لمعرفة إذا لم يكن هناك قطع من جثة الحشرات عليها يكون كافيا؟ وما حُكم أكل الفاكهة أو الخضار المُغلّفة بالشمع والتي لا يمكن غسلها بالماء واليد فقط؟ نحن على يقين من أنّ الشمع المستخدم هو صمغ اللّكّ.
الحمد لله.
أولا:
شمع الشيلاك "يستخرج من إناث حشرة كيريا لاكا التي تتغذى على صمغ الشجر، وتقوم بعد ذلك بإفرازه على شكل مادة صمغية، لتصنع منه أنفاقاً تعيش بها. توجد هذه الحشرة بكثرة في الهند وتايلاند. يعقتد أن أصل التسمية مشتق من اللغات الجنوب آسيوية. كلمة لاك lakh تعني العدد 100,000 ، ويعتقد أن سبب التسمية هو كناية عن العدد الكبير اللازم لإنتاج كيلوجرام واحد من هذه المادة. يتراوح عدد الحشرات اللازم لاستخلاص 1 كيلوجرام من الشيلاك بين 50,000 و200,000 حشرة".
وأما "كارمين (Carmine) فهو خضاب ذو لون أحمر مشرق اللون يمكن الحصول عليه من حمض الكَرْمِنيك الذي تنتجه بعض الحشرات القشرية مثل الدودة القرمزية وحشرة القرمز البولندية (Polish cochineal)، ويستخدم اسم كارمين للدلالة على أحد درجات اللون الأحمر الداكن. وقد يطلق عليه أيضا اسم Crimson Lake، أو Cochineal، أو Natural Red 4، أو C.I. 75470، أو E 120. ويستعمل خضاب الكارمين في صناعة الملونات الغذائية والأدوية ومستحضرات التجميل، كما يستخدم في صناعة الزهور الصناعية، والطلاء، وأحمر الشفاه، والحبر القرمزي، والمواد الغذائية مثل اللبن وبعض أنواع العصائر وخصوصا تلك التي تتمتع بلون أحمر قرمزي" انتهى من ويكيبيديا.
والصبغات والألوان والإذابة: يستعمل فيها غالبا الكحول.
ثانيا:
الحشرات إذا عولجت فاستحالت إلى مادة أخرى، فلا حرج في إضافتها إلى الغذاء وغيره بشرط عدم الضرر.
كما يعفى عن الشيء اليسير الذي يستهلك فيما أضيف إليه، كالكحول الذي يستعمل للإذابة واستخلاص اللون.
جاء في " توصيات ندوة الرؤية الإسلامية لبعض المشاكل الطبية " ما يأتي:
" المواد الإضافية في الغذاء والدواء التي لها أصل نجس أو محرم تنقلب إلى مواد مباحة شرعا بإحدى طريقتين:
1 - الاستحالة:
ويقصد بالاستحالة في الاصطلاح الفقهي: " تغير حقيقة المادة النجسة أو المحرم تناولها، وانقلاب عينها إلى مادة مباينة لها في الاسم والخصائص والصفات "
ويُعبَّر عنها في المصطلح العلمي الشائع بأنها: كل تفاعل كيميائي يُحوِّل المادة إلى مركب آخر، كتحول الزيوت والشحوم على اختلاف مصادرها إلى صابون، وتحلل المادة إلى مكوناتها المختلفة، كتفكك الزيوت والدهون إلى حموض دسمة و" غليسرين ".
وكما يحصل التفاعل الكيميائي بالقصد إليه بالوسائل العلمية الفنية، يحصل أيضا - بصورة غير منظورة - في الصور التي أوردها الفقهاء على سبيل المثال: كالتخلل والدباغة والإحراق.
وبناء على ذلك تعتبر:
المركبات الإضافية ذات المنشأ الحيواني المحرم أو النجس التي تتحقق فيها الاستحالة - كما سبقت الإشارة إليها - تعتبر طاهرة حلالَ التناول في الغذاء والدواء.
2 - الاستهلاك:
ويكون ذلك بامتزاج مادة محرمة أو نجسة بمادة أخرى طاهرة حلال غالبا، مما يُذهب عنها صفة النجاسة والحرمة شرعا، إذا زالت صفات ذلك المخالِط المغلوب من الطعم واللون والرائحة، حيث يصير المغلوب مستهلَكًا بالغالب، ويكون الحكم للغالب، ومثال ذلك:
1 - ... المركبات الإضافية التي يستعمل من محلولها في الكحول كميةٌ قليلةٌ جدا في الغذاء والدواء، كالملونات والحافظات والمستحلبات مضادات الزنخ.
2 - ... (الليستين) و (الكوليسترول) المستخرجان من أصول نجسة بدون استحالة، يجوز استخدامهما في الغذاء والدواء بمقادير قليلة جدا مستهلكة في المخالط الغالب الحلال الطاهر.
3 - ... الأنزيمات الخنزيرية المنشأ، كـ " الببسين " وسائر الخمائر الهاضمة ونحوها، المستخدمة بكميات زهيدة مستهلكة في الغذاء والدواء الغالب" انتهى باختصار
وجاء في "فتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث" (فتوى رقم/34):
" يكتب ضمن محتويات بعض المأكولات حرف " إي " (E) باللغة الانجليزية، مضافا إليها رقم، وقيل: هذا يعني أنها تحتوي على مواد مصنعة من دهن أو عظم الخنزير.
فلو ثبت هذا الأمر، فما هو الحكم الشرعي في تلك المأكولات؟
الجواب:
هذه المواد المشار إليها بحرف (إي) مضافا إليها رقم هي مركبات إضافية يزيد عددها على (350 مركبا) وهي إما أن تكون من: الحافظات، أو الملونات، أو المحسنات، أو المحليات، أو غير ذلك.
وتنقسم بحسب المنشأ إلى أربع فئات:
الفئة الأولى: مركبات ذات منشأ كيميائي صُنعي.
الفئة الثانية: مركبات ذات منشأ نباتي.
الفئة الثالثة: مركبات ذات منشأ حيواني.
الفئة الرابعة: مركبات تستعمل منحَلَّة في مادة (الكحول).
والحكم فيها أنها لا تؤثر على حل الطعام أو الشراب، وذلك لما يأتي:
أما الفئة الأولى والثانية: فلأنها من أصل مباح، ولا ضرر باستعمالها.
وأما الفئة الثالثة: فإنها لا تبقى على أصلها الحيواني، وإنما تطرأ عليها استحالة كيميائية تُغَيِّرُ طبيعتَها تغييرا تاما، بحث تتحول إلى مادة جديدة طاهرة، وهذا التغيير مؤثر على الحكم الشرعي في تلك المواد، فإنها لو كانت عينها محرمة أو نجسة فالاستحالة إلى مادة جديدة يجعل لها حكما جديدا، كالخمر إذا تحولت خلا فإنها تكون طيبة طاهرة، وتخرج بذلك التحول عن حكم الخمر.
وأما الفئة الرابعة: فإنها تكون غالبا في المواد الملونة، وعادة يستخدم من محلولها كمية ضئيلة جدا تكون مستهلكة في المادة الناتجة النهائية، وهذا معفو عنه.
إذن فما كان من الأطعمة أو الأشربة يتضمن في تركيبه شيئا من هذه المواد فهو باق على الإباحة الأصلية، ولا حرج على المسلم في تناوله.
وديننا يسر، وقد نهانا عن التكلف، والبحثُ والتنقيبُ عن مثل ذلك ليس مما أمرنا به الله تعالى ولا رسوله " انتهى.
نقلا عن "فقه النوازل" للدكتور محمد الجيزاني (4/ 263-267).
وبهذا يتبين أنه لا حرج في تناول الفاكهة التي تغطى بشمع الشيلاك أو يستعمل فيها الكارمين، إذا خلا ذلك من الضرر.
وإذا وجد آثار للحشرة على الفاكهة، فإنها تغسل وتؤكل.
ولو غسلت الفاكهة بالماء والصابون أو بما يذيب الشحم، أو أزيلت قشرتها كان ذلك حسنا.
والله أعلم.