في أكثر من موضع في القرآان الكريم نجد أن الله تعالى يلعن الكافرين أو من يرمي المحصنات ومؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن اللعن في الشرع أي الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، فكيف يؤمن من لعنه الله تعالى؟ فكيف دخل الكافر للإسلام وقد لعنه الله تعالى، وطرده من رحمته؟ آمل الرد على هذه الشبهة.
الحمد لله.
اللعن إن كان لكافر فمعناه الطرد من رحمة الله وإبعاده عن الجنة وتخليده في النار، بشرط أن يموت على كفره.
وإذا كان لمسلم، أو على فعل ليس من الكفر، فمعناه الطرد عن دخول الجنة أول الأمر، هذا ما لم يعف الله عنه؛ لأن فاعل الكبيرة تحت المشيئة، فقد يموت دون توبة ومع ذلك يغفر الله له.
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: " فإن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد، قالوا: والمراد باللعن هنا: العذاب الذي يستحقه على ذنبه، والطرد عن الجنة أول الأمر، وليست هي كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعاد" انتهى.
فقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا الأحزاب/64، 65.
هي في حق الكافر إذا مات على كفره.
وأما من تاب قبل موته، فلا يلحقه اللعن.
قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ آل عمران/159، 160.
فجعل باب التوبة وقبولها مفتوحا؛ حتى مع اللعن؛ فإنه بالتوبة النصوح: يزول عنه ما يستوجب له اللعنة.
وقال سبحانه: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ(88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ آل عمران/86- 89.
فباب الإسلام والتوبة مفتوح لكل كافر، مع الإخبار بلعنه؛ لأن طرده من الرحمة لا يثبت في حقه إلا بموته على الكفر.
وقال تعالى في شأن كفار قريش ممن قاتل النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وآذاه في مكة: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ الأنفال/38.
ولما كان اللعن حكما بالطرد من الرحمة في الآخرة، منع جمهور العلماء من لعن الكافر المعين، إلا إذا ثبت بالنص لعنه، كإبليس، أو عُلم أنه مات على الكفر، وأما الكافر الحي فقد يُسلم، ولهذا لا يُلعن بعينه، وإنما يقال على سبيل العموم: إن الله لعن الكافرين، كما يقال: إن الكافرين مخلدون في النار، وهذا لا يكون إلا لمن مات على الكفر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (6/511):
" واللعنة تجوز مطلقا، لمن لعنه الله ورسوله.
وأما لعنة المعين: فإن عُلم أنه مات كافرا، جازت لعنته.
وأما الفاسق المعين فلا تنبغي لعنته، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يُلعن عبد الله بن حمار الذي كان يشرب الخمر ، مع أنه قد لعن شارب الخمر عموما ، مع أن في لعنة المعين، إذا كان فاسقا أو داعيا إلى بدعة: نزاعاً " انتهى .
وينظر: جواب السؤال رقم:(36674)، ورقم:(83390).
والله أعلم.