هل يصح قول المرء لما يرى من ملكه ما يعجبه؛ (هذا من فضل ربي)، كما قال نبي الله سليمان عليه السلام حين رأى فضل ربه عليه؟ وهل هي بمعنى قول؛ ماشاء الله لاقوة إلا بالله على ما يعجبني من ملكي، وهل تجزئ عنها؟
الحمد لله.
قال الله تعالى: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ النمل/40.
فنبي الله سليمان عليه السلام نسب هذه النعم إلى المنعم بها وهو الله تعالى، وهذا ضرب من الشكر.
قال الطبري رحمه الله تعالى:
" وقوله: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي) يقول: هذا البصر والتمكن والملك والسلطان الذي أنا فيه، حتى حمل إليّ عرش هذه في قدر ارتداد الطرف من مأرب إلى الشام، من فضل ربي الذي أفضله عليّ، وعطائه الذي جاد به علي، ( لِيَبْلُوَنِي )، يقول: ليختبرني ويمتحنني، أأشكر ذلك من فعله عليّ، أم أكفر نعمته عليّ بترك الشكر له " انتهى من "تفسير الطبري" (18/ 74).
وهذا الاعتراف بنعم الله تعالى هو بمعنى عبارة "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"؛ لأن فيهما نسبة النعم إلى الله تعالى.
قال الله تعالى: وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا الكهف/39.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وقوله: (مَا شَاءَ اللَّهُ) فيها وجهان:
1 - أنَّ (مَا) اسم موصول خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "هذا ما شاء الله".
2 - أنَّ (مَا) شرطية و (شَاءَ اللَّهُ) فعل الشرط، وجوابه محذوف والتقدير "ما شاء الله كان".
وقوله: (لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ)، أي: لا قوة لأحد على شيء إلاَّ بالله، وهذا يعني تفويض القوة لله عز وجل، يعني فهو الذي له القوة مطلقا، القوة جميعا، فهذه الجنة ما صارت بقوتك أنت ولا بمشيئتك أنت ولكن بمشيئة الله وقوته" انتهى من "تفسير سورة الكهف" (ص72).
فأرشدت هذه الآية إلى الذكر الشرعي الذي يقوله العبد عند حصول النعم.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" قال: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا) هذا تحضيض وحث على ذلك، أي: هلا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها؛ حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك، وقلت: ( مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ )؛ ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده أو ماله، فليقل: (مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة " انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/158).
فقول عبارة "هذا من فضل ربي" تصح، وكيف لا تصح؛ وقد قالها نبي الله عليه السلام، وأقرها الله تعالى.
لكن مقام نسبة الفضل إلى رب العالمين، والإقرار بنعمته، على ما جاء في الآيتين الكريمتين شيء. ومقام التبريك، والاحتراز من الحسد على النعمة، مقام آخر، لا ينبغي أن يغفله العبد. ولو جمع بين المقامين فهو حسن. ويكون بذلك قد جمع بين ما ذكر من الأدب في الآيتين الكريمتين، وما أرشدت إليه السنة. كما في حديث عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَخِيهِ مَا يُحِبُّ فلْيُبَرِّكْ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (24/ 465-466)، الحاكم في "المستدرك" (4/216)، وقال: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ" ووافقه الذهبي.
ويشهد له حديث أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ:
" مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ، وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ، فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا، قَالَ: مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ؟
قَالُوا: عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ.
قَالَ: عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ... رواه الإمام مالك في "الموطأ" (2/939)، والإمام أحمد في "المسند" (25/355)، وابن ماجه (3509).
وراجع للفائدة جواب السؤال رقم: (130786).
والله أعلم.