الحمد لله.
يدخل الكافر النصراني في الإسلام بشهادته أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله، ثم يلتزم بشرائع الإسلام ومن أعظمها الصلاة .
ولا يكفي كونه يقر بإله واحد.
قال النووي رحمه الله: "فصل فيما تحصل به توبة المرتد، وفي معناها إسلام الكافر الأصلي:
وقد وصف الشافعي رضي الله عنه توبته فقال: أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويبرأ من كل دين خالف الإسلام.
وقال في موضع: إذا أتى بالشهادتين، صار مسلما.
وليس هذا باختلاف قولٍ عند جمهور الأصحاب، كما ذكرنا في كتاب الظهار؛ بل يختلف الحال باختلاف الكفار وعقائدهم.
قال البغوي: إن كان الكافر وثنيا، أو ثنويا لا يقر بالوحدانية، فإذا قال: لا إله إلا الله، حكم بإسلامه، ثم يجبر على قبول جميع الأحكام.
وإن كان مقرا بالوحدانية، منكرا نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لم يحكم بإسلامه حتى يقول مع ذلك: محمد رسول الله.
فإن كان يقول: الرسالة إلى العرب خاصة، لم يحكم بإسلامه حتى يقول: محمد رسول الله إلى جميع الخلق، أو يبرأ من كل دين خالف الإسلام.
وإن كان كفره بجحود فرض، أو استباحة محرم: لم يصح إسلامه حتى يأتي بالشهادتين، ويرجع عما اعتقده" انتهى من "روضة الطالبين" (10/82).
وقال ابن قدامة رحمه الله في ثبوت الإسلام بالشهادتين: أنه "محمول على من كفر بجحد الوحدانية، أو جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو جحدهما معا.
فأما من كفر بغير هذا، فلا يحصل إسلامه إلا بالإقرار بما جحده.
ومن أقر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنكر كونه مبعوثا إلى العالمين، لا يثبت إسلامه حتى يشهد أن محمدا رسول الله إلى الخلق أجمعين، أو يتبرأ مع الشهادتين من كل دين يخالف الإسلام.
وإن زعم أن محمدا رسول مبعوث بعدُ، غيرَ هذا، لزمه الإقرار بأن هذا المبعوث هو رسول الله؛ لأنه إذا اقتصر على الشهادتين، احتمل أنه أراد ما اعتقده.
وإن ارتد بجحود فرض، لم يُسلم حتى يقر بما جحده، ويعيد الشهادتين؛ لأنه كذب الله ورسوله بما اعتقده.
وكذلك إن جحد نبيا، أو آية من كتاب الله تعالى، أو كتابا من كتبه، أو ملكا من ملائكته الذين ثبت أنهم ملائكة الله، أو استباح محرما؛ فلا بد في إسلامه من الإقرار بما جحده" انتهى من "المغني" (9/21).
وعلى ذلك؛ فيلزم جدك شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العالمين، على وجه الدخول في الإسلام، والالتزام به وليس مجرد الإخبار عن ذلك، والبراءة من كل دين يخالفه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأيضا فقد جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: نشهد إنك لرسول ولم يكونوا مسلمين بذلك؛ لأنهم قالوا ذلك على سبيل الإخبار عما في أنفسهم، أي نعلم ونجزم أنك رسول الله، قال: فلم لا تتبعوني؟ قالوا: نخاف من يهود.
فعُلم أن مجرد العلم والإخبار عنه ليس بإيمان، حتى يتكلم بالإيمان على وجه الإنشاء المتضمن للالتزام والانقياد، مع تضمن ذلك الإخبار عما في أنفسهم.
فالمنافقون قالوا مخبرين كاذبين، فكانوا كفارا في الباطن، وهؤلاء قالوها غير ملتزمين ولا منقادين، فكانوا كفارا في الظاهر والباطن" انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/561).
فإن لم يفعل جدك ذلك مات كافرا، ولم ينفعه إقراره بإله واحد، ولم يجز لك الدعاء له؛ لقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) التوبة/113، 114
فاجتهد في دعوته للإسلام، ونسأل الله أن يهديه ويشرح صدره لذلك.
والله أعلم.