الحمد لله.
من كان لديه أمانة، فضاعت: لم يضمنها، إلا إذا تعدى أو فرط في حفظها.
قال في زاد المستقنع: "الوَدِيعَة إذَا تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ: لَمْ يَضْمَنْ.
وَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا...".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (10/287): "قوله: إذا تلفت من بين ماله، ولم يتعد ولم يفرط: لم يضمن.
وإن تلفت مع ماله فمن باب أولى.
فقوله: إذا تلفت يعني الوديعة من بين ماله، بأن احترقت أو أفسدها المطر أو سرقها السراق دون أن يتأثر ماله بذلك، فلا ضمان على المودَع؛ لأنه أمين قبض المال بإذن من مالكه، فكل من قبض مال غيره بإذن منه أو من الشارع، فإن يده يد أمانة.
والقاعدة في الأمين: أنه لا يضمن ما تلف تحت يده إلا بتعدٍّ أو تفريط، بدليل قول الله تعالى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة: 91]، والمودَع محسن، فإذا كان محسناً فلا ضمان عليه، لكن إن تعدى أو فرط ضمن.
فإن تعدى بأن أخذ الوديعة، أو فك قيدها، أو فرط بأن وضعها في غير حرز: ضمن، والفرق بين التعدي والتفريط من حيث العموم، أن التعدي فعل ما لا يجوز، والتفريط ترك ما يجب.
فإذا كان المودَع طعاماً، فأكله المودَع عنده: فهذا تعدٍّ، وإذا كان طعاماً وأبقاه في ليالي الشتاء في الخارج فتلف، فهذا تفريط؛ لأنه ترك ما يجب" انتهى.
فإذا كنت لم تتعد ولم تفرط، فلا شيء عليك، ولا تكون غارما، ولا تصح زكاة من دفع المال إليك أو عنك.
وعليك إعطاء الورثة العقد، ويسترد الدافع ماله منهم، ويخرجه لمستحقي الزكاة.
وإذا كنت قد تعديت أو فرطت في الحفظ، فضاع العقد، فأنت ضامن له، فيلزمك مثلُه إن وجد، وإلا فقيمته.
فإن لم يكن عندك مال تشتري به مثل العقد، أو تدفع به قيمته: جاز إعطاؤك من الزكاة.
لكن متى وجدت العقد بعد ذلك، وجب عليك أن ترده إلى الورثة، ثم يسترد صاحب المال ماله منك، فيخرجه في الزكاة؛ لأنه قد تبين أنك لم تكن مستحقا.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (1/465): " (وإن دفعها) أي: الزكاة رب المال (لغير مستحقها لجهل) منه بحاله، بأن دفعها لعبد أو كافر أو هاشمي أو وارثه، وهو لا يعلم، (ثم علم): (لم تجزئه)؛ لأنه لا يخفى حاله غالبا، كدِين آدمي، وتُرد بنمائها متصلا أو منفصلا، فإن تلفت ضمنها قابض، وإن كان الدافع الإمام أو نائبه، فعليه الضمان، (إلا لغني إذا ظنه فقيرا)، فدفعها إليه، فتجزئه ; لأن الغِنَى مما يخفي، ولذلك اكتُفي فيه بقول الآخذ" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/263): "وقوله: أو بالعكس أي: أعطاها لمن ظن أنه أهل، فبان غير أهل: فلا تجزئه أيضاً؛ لأن العبرة بما في نفس الأمر، لا بما في ظنه.
مثاله: أعطى رجلاً يظنه غارماً، فبان أنه غير غارم، فإنها لا تجزئ؛ لأن العبرة بما في نفس الأمر، أي: بالواقع، والواقع أنه غير أهل" انتهى.
وهذا كما لو أُبرئ الغارم من الدين، فإنه يرد ما أخذ من الزكاة.
قال اللبدي في "حاشيته على نيل المآرب" (1/131): "وأما الغارم والمكاتب والغازي وابن السبيل، إذا أخذوا شيئًا من الزكاة: لا يجوز لهم صرفها إلا فيما أخذوها لأجله.
وإن فضل شيء عن حاجتهم: ردوه وجوبًا.
فعلى هذا؛ لو أُبْرئ الغارم، أو أُعتق المكاتب ونحوهما، وقد أخذا من الزكاة: رداه وجوبًا" انتهى.
وتبين بهذا أنه في الحالتين: يلزمك إرجاع العقد للورثة، ويلزم المزكي استرداد ماله منهم وإعادة إخراجه للزكاة.
والله أعلم.