الحمد لله.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَاطِمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا صَغِيرَةٌ، فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ" .
رواه النسائي (3221)، وصحح إسناده الشيخ الألباني في "صحيح سنن النسائي" (2/412).
في هذا الحديث، يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم راعى تقارب السن؛ لأن له أثرًا في حصول التوافق والمودة والرحمة بين الزوجين.
وهذا لا يتعارض مع زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي صغيرة، لأنه يُتغاضى عن فارق السن إذا كانت هناك مصلحة أعظم، تكون مراعاتها أولى من مراعاة السن.
قال السندي رحمه الله تعالى:
" قوله: ( فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ ) أي عَقِب ذلك بلا مهلة، كما تدل عليه الفاء، فعلم أنه لاحظ الصغر بالنظر إليهما، وما بقي ذاك بالنظر إلى علي؛ فزوجها منه.
ففيه: أن الموافقة في السن أو المقاربة مرعية، لكونها أقرب إلى المؤالفة.
نعم، قد يترك ذاك لما هو أعلى منه، كما في تزويج عائشة رضي الله تعالى عنها. والله تعالى أعلم " انتهى من "حاشية السندي" (6/62).
وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإثيوبي رحمه الله تعالى:
" قد أشار السنديّ رحمه اللّه تعالى في كلامه المذكور إلى جواب استشكال وارد على حديث الباب، وهو أنه صلى اللَّه عليه وسلم تزوّج عائشة، وهي صغيرة، فكيف قال لأبي بكر وعمر رضي اللَّه تعالى عنهما:( إِنَّهَا صَغِيرَةٌ )؟
وحاصل الجواب : أن الموافقة في السن، أو المقاربة فيه إنما يُعتبر فيما إذا لم يكن للزوج فضل يجبُرُ ذلك، وإلا فلا بأس بالتفاوت فيه؛ ولذلك تزوّج النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم عائشة رضي اللَّه تعالى عنها، وهي بنت ست سنين، وهو فوق خمسين سنة؛ لما ذكرنا.
فإن قيل: قد كان لأبي بكر وعمر فضل يؤدّي الغرض؛ فلماذا لم يُعتبر؟
قلنا: نعم لا يُنكر فضلهما، وشرفهما رضي اللَّه تعالى عنهما، إلا أنّ لعليّ رضي اللَّه تعالى عنه زيادة فضل عليهما بالنسبة لفاطمة رضي اللَّه تعالى عنها، وهو كونه مقاربا لها في السنّ، وهو الذي يحصل به الغرض من النكاح، وهو دوام الألفة والمحبّة بين الزوجين، كما ذكرنا، فلذا قدمه النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم عليهما؛ لذلك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب " انتهىر من "ذخيرة العقبى" (27/58).
وأشار ابن العربي رحمه الله تعالى، إلى جوابين آخرين، حيث قال:
" ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبه أبو بكر وعمر في فاطمة، فقال لهما: ( إِنَّهَا صَغِيرَةٌ. فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ). فيحتمل أنه تأخر الأمر، حتى كبرت، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان نواها لعلي، فلم يكن ليبدل نيته، وهذا أظهر" انتهى من "عارضة الأحوذي" (5/22).
والله أعلم.