هل إثبات وجود الله من خلال دليل الإتقان والإحكام وليس دليل الخلق لا بأس به
عندما يتعلق الأمر بالملحدين الذين ينكرون خلق الكون.
الحمد لله.
أولًا:
دليل الإحكام هو: الاستدلال على ضرورة وجود الله تعالى بما في العالم من الإتقان في الخلق، والإحكام في تفاصيله الدقيقة المذهلة، إلى درجة تبلغ بالعقول حـالة من الانبهار والذهول، وتحقق هذه الحالة من الإحكام البديع المبهر: لا بد فيه من فاعل، يتصف بالقدرة والحكمة وسعة العلم.
وهذا الدليل دليل يقيني، ومسلكه الاستدلالي يستعمله عامة العقلاء في تعاملاتهم الحياتية، لا يحتاج إلى دراسة ولا مراجعة.
ويمكن صوغ دليل الإحكام بهذه الصورة:
المقدمة الأولى: الكون محكم في ضبطه.
المقدمة الثانية: الإتقان وإحكام الضبط لا بد له من فاعل عليم حكيم.
النتيجة: هذا الكون له خالق عليم حكيم أوجده على هذه الصورة من الضبط والإحكام.
يقول البروفيسور بول ديفيز: "الشيء المدهش فعلًا: أن الحياة على الأرض ليست وحدها التي تبدو متزنة جدًا وكأنها على حافة سكين؛ بل الكون بأجمعه كذلك.
ولو أن الثوابت الطبيعية في هذا الكون تغيرت، ولو على نحو يسير؛ لغرق العالم في فوضى عارمة".
ويقول آلين سانديج: "إن العالم شديد التعقيد في كل أجزائه وتشابكاته، حتى إنه يستحيل أن يكون وليد الصدفة وحدها، إني مقتنع أن وجود الحياة بكل ما فيها من تنظيم في كل كائن من كائناتها الحية مركب بمنتهى البراعة".
ويُنظر لتفاصيل أخرى حول دليل الإحكام، كتاب: "ردود علماء الغرب على الإلحاد المعاصر"، تأليف: دكتور جوهانس كلومنك، نشر: مركز دلائل (ص/496-510).
ثانيًا:
الفرق بين هذا الدليل ودليل الخلق والإيجاد: أن هذا الدليل يستند إلى حالة الكون بعد وجوده، ودليل الخلق يستند إلى نشأة الكون في أول حدوثه، فكما أن المخلوقات يدل حدوثها من العدم على ضرورة وجود الخالق، فإن الحالة التي هي عليها بعد حدوثها من الدقة في الخِلقة، والبراعة في الإتقان، والإبهار في التصميم والإحكام؛ تدل على ضرورة وجود الخالق سبحانه أيضا.
كما أن دليل الخلق يستند لمقدمة ضرورية، وهي العلم بالحدوث.
يقول شيخ الإسلام: "العلم بحدوث هذه المحدَثات علم ضروري لا يحتاج إلى دليل" انتهى، من "درء التعارض" (7/219).
أما مقدمات دليل الإحكام فهي مقدمات استدلالية غير ضرورية.
ثالثًا:
التركيز على أحد أدلة وجود الله دون بعض الأدلة، إن كان مراعاة لحالة المخاطب أو نوعًا من سياسة إدارة الحوار والاحتجاج؛ فلا حرج فيه ولا إشكال، ما دمت تُسلم بباقي الأدلة الصحيحة، وإنما تكتفي بأحدها لحاجة اقتضت ذلك.
والداعي إلى الله وإلى الحق، ينوع أساليبه بحسب مقتضى الحاجة، وما يستدعيه كل موقف وكل مخاطَب وكل زمان وكل مكان، ولا يجمد على أسلوب واحد أو طريقة بعينها، فالإيمان يشمل جميع الحجج الصحيحة، أما استعمال حجة بعينها ففيه سعة بحسب مقتضى الحال.
والله أعلم.