اعتنقت الإسلام وقبلته، لكن المشكلة أنني لستُ مستقلّة مالياً، ولا يعلمُ والديّ أنني أمارس الإسلام، أجبرتني عائلتي على السجود أمامَ الأصنام، وفعلتُ ذلك؛ لأنني لا أستطيع أن أخبرهم، وإلا فسوف يطردونني من المنزل، أيضا ليس لديّ أيُّ صديقات باستثناء زميل ذكر. لا أخبركَ بهذا الآن بسبب الترهيب من الإسلام في مجتمعي، لكن لديَّ أشِقَّاء، وقد تتأثَّرُ دراستهم وحياتُهُم، والديّ يعانيان من المرض، نحن لدينا عائلة مكوّنة من أبوين وأطفالهما، والدِي هو الفرد الوحيد العامل، وليس لدينا مصدرُ دخلٍ ثابت، وأنا أدرس حتى أتمكَّن من مساعدة والديّ ماليًا، فهل أخبرهم عن ديني؟ إذا كانت الإجابة "لا"، فكيف أحمي نفسي من الشِّرك؟ إذا لم أخبرهم سوف يجبرونني مرة أخرى على القيام بذلك، في بعض الأحيان يقولون لي: أن أقوم بالعبادة، ولأنّ هناك مهرجانات قادمة في يناير، وفي وقتٍ لاحقٍ في الأشهر الأخرى أيضًا، لا يمكنني إعطاء عذر بالحيض، ليس لديّ أصدقاء حتى أستطيع الذهاب إليهم، ولا أتكسَّبُ كي أغادر هذا المكان، فهل يمكنُ أن تعطيني أفكارًا على الأقلّ لحماية نفسي من الشِّرك ، حيث يوجد طقس للسجود تمامًا مثل السجود في بعض العبادات؟
الحمد لله.
أولًا:
نبارك لك أختنا الكريمة أن هداك الله للإسلام نسأل الله أن يمن عليك بعنايته وتوفيقه وتثبيته، ونقدر ما تمرين به من تحديات كبيرة، نحن نتفهم تماما عمق تأثيرها عليك، وما تجره عليك من ألم، فنرجو أن يرزقك الله القوة لاجتيازها، وأن يجعل كل ذلك في موازين حسناتك.
ثانيًا:
لا شك أن التخطيط الاستراتيجي للاستقلال المعيشي والمالي، ينبغي أن يكون ضمن أهدافك المستقبلية، وما دمتِ تدرسين لمساعدة والدتك؛ فلعل هذا أن يكون أحد خططك، بحيث يمكنك الاستقلال في مكان بعيد عن رقابة الأسرة وضغوطها عليك، وتستقلي أيضا بإعالة نفسك عن طريق التدريس، ولا شك أن في الأمر تفاصيل لا نحيط بها علمًا، ولا نستطيع أن نقول لك ينبغي أن تفعلي كذا، أو لا تفعلي كذا، على وجه التفصيل والدقة.
نحن فقط نقول: إن الحرية التامة في أداء دينك وعباداته، والبعد عن الضغوط العائلية، وتحديات كتمان الدين؛ هذه الحرية لابد أن تبدئي التخطيط لها؛ ولو كان تخطيطًا بطيئًا طويل الأمد.
ثالثًا:
أحد الحيل المهمة التي استعملها من مروا بنفس ظروفك هي أن يبدأوا في ادعاء تراجع اهتمامهم بالدين وطقوسه، فالأهل قد يتعاملون مع تغيير الدين بشكل عنيف، لكنهم يتعاملون بدرجة أخف إن أظهرت ابنتهم تراجع اهتمامها بالدين وشعائره.
لا نعلم على وجه الدقة: مدى نجاح هذه الحيلة معك؛ لكننا مع ذلك نقترح إمكانية تجريبها.
رابعًا:
وأما عن مسألة السجود: فهناك مخرج شرعي مقترح لتخطي هذا الاختبار المؤلم المُفظع، وهو أن تقومي بهذا السجود، متى اضطررتِ إليه؛ لكنك تنوين بقلبك أن يكون السجود لله سبحانه، فهو سجود لله قدام الصنم؛ وليس سجودًا للصنم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وما كان كفرا من الأعمال الظاهرة: كالسجود للأوثان، وسب الرسول، ونحو ذلك؛ فإنما ذلك لكونه مستلزما لكفر الباطن.
وإلا؛ فلو قدر أنه سجد قدام وثن، ولم يقصد بقلبه السجود له، بل قصد السجود لله بقلبه: لم يكن ذلك كفرا، وقد يباح ذلك إذا كان بين مشركين يخافهم على نفسه فيوافقهم في الفعل الظاهر ويقصد بقلبه السجود لله. كما ذكر أن بعض علماء المسلمين وعلماء أهل الكتاب فعل نحو ذلك مع قوم من المشركين، حتى دعاهم إلى الإسلام فأسلموا على يديه، ولم يُظهر منافرتهم في أول الأمر" انتهى، من ""مجموع الفتاوى" (14/120).
فإذا اضطررت لهذا السجود، فلتكن نيتك أنه سجود لله، ووجود الصنم في مكان سجودك لله لا يضرك، وظنهم أنك تسجدين لصنمهم لا يضرك، ما دام هناك هذه ظروف اضطرارية، نسأل الله أن يفرج عنك، وأن يهيأ لك مخرجًا قريبًا من هذه البيئة المعادية لدينك.
وبكل حال؛ فاعلمي أن القلب ما دام مطمئنا بالإيمان، منشرح الصدر به، فلا حرج عليك في قول أو فعل، أكرهت عليه، ولا أثر لذلك في صحة إيمانك. وهذه رخصة عظيمة من رب العالمين، وأرحم الراحمين، للمستضعفين من عباده، والمغلوبين على أمرهم؛ أنهم إذا وقعوا في أمر من الأمور الكفرية، تحت ضغط الكفار عليهم، وإكراههم لهم على ذلك؛ فإنهم لا يكفرون، بل ولا يأثمون بمثل ذلك. قال الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ النحل/ 106 .
وينظر حول هذه المسألة: جواب السؤال رقم: (150748)، ورقم: (344514).
خامسا:
إذا علمت أنه لا حرج عليك، إذا مورست عليك ضغوط من أهلك للسجود لصنمهم، أو مشاركتهم في شيء من طقوسهم الكفرية؛ لا حرج عليك أن تفعلي من ذلك القدر الذي يدفع عنك أذاهم، ويحميك من فتنتهم لك في دينك، ولا يثير ريبتهم وشكوكهم في تحولك إلى الإسلام.
وحينئذ، فالذي ننصحك به، ولا نرى لك حلا سواه الآن: ألا تخبري بدينك أحدا منهم؛ فإنهم لن يتهاونوا معك، ولن يتقبلوا وضعك، لا سيما في مجتمعك، شديد التعصب على الإسلام والمسلمين.
ولذلك، فعليك الاحتياط بأداء عباداتك، وشعائر دينك خفية عن أعينهم، وما عجزت عنه بسبب رقابة أسرتك الكافرة، أو مجتمعك المحارب لك ولدينك: فإنه لا حرج عليك فيه، ويسقط عنك فرضه؛ ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وفي جواب السؤال رقم: (324751) قلنا لمسلمة جديدة، تخاف الفتنة في دينها:
إن الواجب عليك أن تفعلي من ذلك ما يمكنك، من غير أن تعرضي نفسك لبلاء وفتنة، حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا.
فما أمكنك أن تفعليه في السر من الصلوات، والعبادات: فافعلي.
وما تعجزين عنه: فإن الله عفو كريم، جواد ماجد، أمر عباده أن يأتوا من أوامره، وعباداته: ما استطاعوه، ولم يكلفهم ما لا طاقة لهم به.
قال الله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 .
وقال الله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ البقرة/285-286 .
وقد سبقت لنا أيضا نصائح في أجوبة عديدة لمن مروا بنفس ظروفك، تحتاجين لمراجعتها لتتعلمي كيف يمكنك التصرف في ظروفك الصعبة الحالية، فنرجو مراجعة جواب السؤال رقم : (220401)، ورقم: (248211)، ورقم:(192411).
والله أعلم.