ما حكم إعطاء بقر لمن يربيها على أن يكون النتاج من الإناث لصاحبها والذكور للمربي؟

30-12-2023

السؤال 490335

حكم أخذ قرض حيواني
صيغة العقد ومدته

يعطوني عدد معين من الابقار لعدة سنوات

بشرط ان لهم الاناث من مواليد هذه الابقار ولي الذكور من المواليد ولي الحليب ايضا

وبعد انتهاء العقد تصبح البقرات الام لي

هل هذا الامر فيه حرام ام كله محرم ام فيه حلال

الجواب

الحمد لله.

أولا:

المشاركة في تربية الأنعام مقابل جزء من نمائها، محل خلاف بين الفقهاء،  فمنهم من أجاز ذلك، وهو رواية عن أحمد رحمه الله، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وابن القيم رحمه الله. وحجتهم في ذلك : التمسك بالأصل وهو الإباحة مع عدم الدليل الموجب للمنع، والقياس على المساقاة والمزارعة.

قال ابن مفلح في "الفروع" (4/ 395) : " وعنه [أي عن الإمام أحمد] : وله دفع دابته أو نخله لمن يقوم به بجزء من نمائه , اختاره شيخنا , والمذهب : لا ؛ لحصول نمائه بغير عمله .

وبجزء منه: يجوز مدة معلومة , ونماؤه ملك لهما " انتهى .

والجمهور على منع ذلك، إما لاعتبارها إجارة بأجرة مجهولة، وإما لكون النتاج أو النسل ليس من عمل العامل، بل هو من رزق الله تعالى، وهذا تعليل الحنابلة، وقد أجازوا-خلافا للجمهور- ما إذا كان المقابل جزءا من الماشية نفسها، لا من نمائها، كأن يعطيه ماشية ليربيها، مقابل أن يكون له ربع الماشية نفسها، فيصيرا شريكين، ثم يصير النتاج بينهما بحسب نسبة أملاكهما في الشركة، بشرط تحديد مدة الشركة، كسنة مثلا .

ومنع الجمهور ذلك كله.

والراجح الجواز، وينظر: جواب السؤال رقم (169553)

ثانيا:

أما الاتفاق على أن لصاحب البقر الإناث من النتاج، وللمربي الذكور، فهذا غرر مفسد للشركة إجماعا، كما ذكر الفقهاء مثله في المزارعة على أن لأحدهما زرع ناحية معينة؛ فقد لا تلد البقر إلا إناثا، فيتضرر المربي، وقد لا تلد إلا ذكورا، فيقع الضرر على أرباب البقر.

وقد ورد النهي عن مثل ذلك، كما روى البخاري (2722) ومسلم (1547) عن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ حَقْلًا، كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ، وَلَهُمْ هَذِهِ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ، وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ، فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْوَرِقُ فَلَمْ يَنْهَنَا».

والورق: الفضة، أي لم ينهنا عن كراء الأرض بالفضة المعلومة.

وروى مسلم (1547) عن حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَهْلِكُ هَذَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا، فَلِذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ، فَلَا بَأْسَ بِهِ.

والماذيانات: مسايل المياه. وقيل: ما ينبت على حافتي مسيل الماء. وقيل ما ينبت حول السواقي وهي لفظة معربة ليست عربية.

وأقبال الجداول: أوائلها ورؤسها، والجداول: جمع جدول، وهو النهر الصغير، كالساقية.

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (10/ 198): " ومعنى هذه الألفاظ أنهم كانوا يدفعون الأرض إلى من يزرعها ببذر من عنده، على أن يكون لمالك الأرض ما ينبت على الماذيانات وأقبال الجداول، أو هذه القطعة والباقي للعامل، فنهوا عن ذلك؛ لما فيه من الغرر، فربما هلك هذا دون ذاك، وعكسه" انتهى.

قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (5/ 316): " وإن زارعه على أن لرب الأرض زرعا بعينه، وللعامل زرعا بعينه، مثل أن يشترط لأحدهما زرع ناحية، وللآخر زرع أخرى، أو يشترط أحدهما ما على السواقي والجداول، إما منفردا، أو مع نصيبه، فهو فاسد بإجماع العلماء؛ لأن الخبر صحيح في النهي عنه، غير معارض ولا منسوخ، ولأنه يؤدي إلى تلف ما عيّن لأحدهما دون الآخر، فينفرد أحدهما بالغلّة دون صاحبه" انتهى.

والحاصل:

أنه لا تجوز الشركة المذكورة، كما لا يجوز الاتفاق على نتاج البطن الأول للمالك، ونتاج البطن الثاني للمربي، أو العكس، لما فيه من الغرر.

فإن اتفقا على الاشتراك في نتاج كل بطن، جاز، كما قدمنا في أول الجواب.

وإن اتفقا مع ذلك على أن البقرات الأم تكون للمربي في نهاية الأمر، فلا حرج فيه فيما يظهر؛ لعدم المحذور، ويكون يكون وعدا بهبتها، أو: هبةً معلقة على انتهاء الشركة، وتعليق الهبة جائز على الراجح.

وننبه على أن تسمية هذا العقد قرضا: لا يصح، ولو كان قرضا، لكان ربا محرما؛ لأن المقرض يشترط منفعة وهي النتاج من الإناث.

والله أعلم.

الشركة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب