ما هي الازمنة الفاضلة التي تتضاعف فيه الحسنات؟ وهل الاثنين والخميس من الازمنة الفاضلة التي تتضاعف فيه الحسنات؟
الحمد لله.
أولا:
الأزمنة الفاضلة: هي الأزمنة التي خصّها الله تعالى بمزيد فضل منه، وكرم لعباده المؤمنين، إما بقبول دعوة الداعي فيها، أو بمضاعفة حسنات العامل فيها بأعمال الخير، ونحو هذا.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" وجعل الله سبحانه لبعض الشهور فضلا على بعض، كما قال تعالى:
( مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ).
وقال تعالى: ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ).
وقال الله تعالى:
( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ).
كما جعل بعض الأيام والليالي أفضل من بعض، وجعل ليلة القدر خيرا من ألف شهر، وأقسم بالعشر؛ وهو عشر ذي الحجّة على الصحيح، كما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
وما من هذه المواسم الفاضلة موسم، إلاّ ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعاته، يتقرّب بها إليه، ولله فيها لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يعود بفضله ورحمته عليه.
فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والسّاعات، وتقرّب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطّاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النّفحات، فيسعد بها سعادةً يأمن بعدها من النّار وما فيها من اللّفحات " انتهى. "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف" (ص28).
وهذه الأزمنة منها ما يتكرر كل يوم:
ومنه: ثلث الليل الأخير.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ) رواه البخاري (1145) ومسلم (758).
ومنها ما يتكرر كل أسبوع، كيوم الإثنين والخميس:
روى الإمام مالك في"الموطأ" (2 / 79 -80)، والإمام مسلم (2565): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ).
وكيوم الجمعة:
عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ.
قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ - يَقُولُونَ: بَلِيتَ -؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ ).
رواه أبو داود (1047)، والنسائي (1374) وابن ماجه (1085)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (4 / 214)، وقال: " إسناده صحيح على شرط مسلم... وصححه ابن حبان أيضا والنووي " انتهى.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: ( فِيهِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ) وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. رواه البخاري (935) ومسلم (852).
ومنها ما يتكرر كل سنة، كرمضان:
روى البخاري (3277) ومسلم (1079) عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ )، وفي رواية لمسلم: ( وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ).
وليلة القدر منه.
قال الله تعالى:
( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) القدر (1 – 3).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه البخاري (35) ومسلم (760).
والأيام العشر من ذي الحجة، روى البخاري (969): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ. قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (221733)
ثانيا:
هذه الأزمنة منها ما ورد فيه التنصيص على مضاعفة أجر الأعمال الصالحة فيه، كليلة القدر.
ومنها ما لم يرد فيه التنصيص على مضاعفة أجر الأعمال الصالحة فيه، كما هو شأن يومي الإثنين والخميس.
لكن ورد في كلام بعض أهل العلم تعميم مضاعفة أجر الأعمال الصالحة في الأوقات الفاضلة.
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى:
" وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان أو زمان فاضل، ذكره القاضي وغيره وشيخنا وابن الجوزي ... " انتهى. "الفروع" (6 / 30).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ومنها - أسباب المضاعفة -: شرفُ الزمان، كرمضان وعشر ذي الحجة ونحوها، وشرف المكان كالعبادة في المساجد الثلاثة، والعبادة في الأوقات التي حث الشارع على قصدها، كالصلاة في آخر الليل، وصيام الأيام الفاضلة ونحوها، وهذا راجع إلى تحقيق المتابعة للرسول المكمل صلى الله عليه وسلم، مع الإخلاص للأعمال المنمّي لثوابها عند الله." انتهى. "أسباب مضاعفة ثواب الأعمال الصالحة" (ص 4).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" قال: في الروض: " تضاعف الحسنة والسيئة بمكان، وزمان فاضل "، فالحسنة تضاعف بالكم وبالكيف، وأما السيئة فبالكيف لا بالكم؛ لأن الله تعالى قال في "سورة الأنعام" وهي مكية: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) ... " انتهى. "الشرح الممتع" (7/ 227).
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله:
" سؤال: هل تضاعف السيئة في مكة مثل ما تضاعف الحسنة؟ ولماذا تضاعف في مكة دون غيرها؟".
فأجاب: " الأدلة الشرعية على أن الحسنات تضاعف في الزمان الفاضل والمكان الفاضل، مثل: رمضان وعشر ذي الحجة، والمكان الفاضل: كالحرمين، فإن الحسنات تضاعف في مكة والمدينة مضاعفة كبيرة، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في ما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا رواه أحمد وابن حبان بإسناد صحيح.
فدل ذلك على أن الصلاة بالمسجد الحرام تضاعف بمائة ألف صلاة في سوى المسجد النبوي، وتضاعف بمائة صلاة في مسجد النبي ﷺ، وبقية الأعمال الصالحة تضاعف، ولكن لم يرد فيها حد محدود إنما جاء الحد والبيان في الصلاة، أما بقية الأعمال كالصوم والأذكار وقراءة القرآن والصدقات، فلا أعلم فيها نصًا ثابتًا يدل على تضعيف محدد، وإنما فيها في الجملة ما يدل على مضاعفة الأجر وليس فيها حد محدود.
والحديث الذي فيه: من صام في مكة كتب الله له مائة ألف رمضان: حديث ضعيف عند أهل العلم.
والحاصل: أن المضاعفة في الحرم الشريف بمكة المكرمة: لا شك فيها-أعني مضاعفة الحسنات-لكن ليس في النص - فيما نعلم - حد محدود، ما عدا الصلاة، فإن فيها نصًا يدل على أنها مضاعفة بمائة ألف صلاة، كما سبق.
أما السيئات: فالذي عليه المحققون من أهل العلم، أنها لا تضاعف من جهة العدد، ولكن تضاعف من جهة الكيفية، أما العدد فلا، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا ) [الأنعام:160].
فالسيئات لا تضاعف من جهة العدد، لا في رمضان ولا في الحرم ولا في غيرها، بل السيئة بواحدة دائمًا، وهذا من فضله سبحانه وتعالى وإحسانه. ولكن سيئة الحرم وسيئة رمضان وسيئة عشر ذي الحجة: أعظم إثمًا من السيئة فيما سوى ذلك، فسيئة في مكة أعظم وأكبر وأشد إثمًا من سيئة في جدة والطائف مثلًا، وسيئة في رمضان وسيئة في عشر ذي الحجة أشد وأعظم من سيئة في رجب أو شعبان ونحو ذلك. فهي تضاعف من جهة الكيفية، لا من جهة العدد.
أما الحسنات، فهي تضاعف كيفية، وعددًا، بفضل الله سبحانه وتعالى.
ومما يدل على شدة الوعيد في سيئات الحرم، وأن سيئة الحرم عظيمة وشديدة، قول الله تعالى: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) [الحج:25].
فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة، حتى إن في الهم بالسيئة فيه هذا الوعيد.
وإذا كان من هَمَّ بالإلحاد في الحرم متوعدًا بالعذاب الأليم، فكيف بحال من فعل في الحرم الإلحاد بالسيئات والمنكرات؟ فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهم، وهذا كله يدلنا على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير.
وكلمة إلحاد: تعم كل ميل إلى باطل، سواء كان في العقيدة أو غيرها؛ لأن الله تعالى قال: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ )، فنكَّر الجميع، فإذا ألحد أحد أي إلحاد، فإنه متوعد بهذا الوعيد". انتهى، من موقع الشيخ.
وهذا القول ظاهر؛ وفضل الله تعالى واسع.
وفي الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلاَمَهُ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا ) رواه البخاري (42) ومسلم (129).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ) رواه البخاري (6491) ومسلم (131).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وهذا يدل على أن تضعيف حسنة العمل إلى عشرة مجزوم به وما زاد عليها جائز وقوعه، بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع كالصدقة الجارية والعلم النافع والسنة الحسنة وشرف العمل ونحو ذلك " انتهى. "فتح الباري" (11 / 326).
وعلى ذلك؛ فمن تعبَّد في هذين اليومين معظما لهما، اتباعا للشرع مخلصا في ذلك، فيرجى له ما أراد من مضاعفة أجره لكمال متابعته، ومن حسن الظن بالله تعالى أن لا يخيب ظن عبده المؤمن المصلح.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (440985) ورقم (38213) ورقم (276025)
والله أعلم.