الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل تضاعف السيئة والحسنة في رجب والأشهر الحرم؟

440985

تاريخ النشر : 23-01-2023

المشاهدات : 87047

السؤال

هل الذنب يضاعف في رجب وبقية الأشهر الحرم، وهل الحسنات تضاعف أيضاً ؟

ملخص الجواب

بناء على الآية الواردة في الأشهر الحرم، والأدلة الواردة في أن الثواب والعقاب يضاعفان في الأزمنة والأمكنة التي لها فضل على غيرها ؛ فإن الذي يظهر أن الثواب والعقاب يُضاعفان في الأشهر الحرم؛ كيفًا، لا عددًا؛ فالحسنة في الأشهر الحرم أعظم من الحسنة في غيرها من الأزمنة غير الفاضلة، والسيئة فيها أعظم من السيئة في غيرها من الأزمنة غير الفاضلة.

الحمد لله.

أولا:

الأشهر الحرم

ذكر الله تعالى الأشهر الحرم في كتابه فقال:إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ التوبة/36 .

والأشهر الحرم: رجب ، وثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ينظر: "تفسير الطبري" (11/ 440).

وقد روى "البخاري" (4406)، ومسلم: (1679) ، عن أبي بكرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ، كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، شَهْرُ مُضَرَ، الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ .

وسمي رجب مُضَر؛ لأن مضر كانت لا تُغَيِّره، بل توقعه في وقته ، بخلاف باقي العرب ، الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم ، وهو النسيء المذكور في قوله تعالى: إنما النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ التوبة/37.

وقيل: إن سبب نسبته إلى مضر: أنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه، فنسب إليهم لذلك.

قال الواحدي في "البسيط" (10/ 409): " ومعنى الحُرُم: أنه يعظم انتهاك المحارم فيها، بأشد مما يعظم في غيرها، وكانت العرب تعظمها، حتى لو لقي الرجل منهم قاتل أبيه: لم يُهِجْه.

قال أهل المعاني: وفي جعل بعض الشهور أعظم حرمة من بعض: فوائدُ من المصلحة في الكف عن الظلم فيها، لعظم منزلتها في حكم خالقها، فربما أدى ذلك إلى ترك الظلم رأسًا؛ لانطفاء الثائرة في تلك المدة"، انتهى.

وينظر لمزيد من الفائدة حول الأشهر الحرم الفتاوى أرقام : (227931)، (317278).

وينظر مقال: شهر رجب

 

ثانيًا:

هل تضاعف السيئة في الأشهر الحرم

لم يثبت في حديث صحيح صريح أن الثواب والعقاب يضاعفان في الأشهر الحرم، إلا أن بعض أهل العلم قد صرحوا بأن الثواب والعقاب يضاعفان فيهن؛ لقوله تعالى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْالتوبة/36.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/128): " (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي: في هذه الأشهر المحرمة، لأنها آكد، وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج:25] .

وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام، ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء، وكذا في حق من قَتل في الحرم، أو قتل ذا محرم، ثم نقل عن قتادة قوله: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم في سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء". انتهى.

وقال القرطبي رحمه الله: "لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئاً من جهة واحدة، صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات، صارت حرمته متعددة؛ فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام، ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال " انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (8/134).

كما أنه قد ثبت في غير دليل شرعي أن الحسنات تضاعف في الزمان الفاضل مثل: رمضان وعشر ذي الحجة، وفي المكان الفاضل أيضًا: كالمسجد الحرام والمسجد النبوي.

كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد (4646)، وابن ماجه (1406) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ.

والحديث صححه المنذري والبوصيري، وقال الألباني: "سنده صحيح على شرط الشيخين". انتهى من "إرواء الغليل" (4/146).

أما السيئات؛ فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها لا تضاعف من جهة العدد، ولكن تضاعف من جهة الكيفية؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا) [الأنعام:160].

فالسيئات لا تضاعف من جهة العدد، لا في رمضان ولا في الحرم ولا في غيره، بل السيئة بواحدة دائمًا، وهذا من فضله سبحانه وتعالى وإحسانه.

ولكن سيئة الحرم وسيئة رمضان وسيئة عشر ذي الحجة: أعظم إثمًا من السيئة فيما سوى ذلك، فسيئةٌ في مكة أعظم وأكبر وأشد إثمًا من سيئة في جدة والطائف مثلًا، وسيئةٌ في رمضان وسيئة في عشر ذي الحجة أشد وأعظم من سيئة في رجب أو شعبان ونحو ذلك.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

"ومن هنا تعرفون أن ما يجري على ألسنة العامة: أن السيئات تضاعف في مكة كما تضاعف الحسنات، أن ذلك الإطلاق لا يجوز؛ لأن مضاعفة السيئات ممنوعة قطعًا؛ لأن الله يقول: وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا؛ وهو نص صريح قرآني في أن السيئات لا تُضَاعَف، ولكن السيئة في حرم مكة مثلا تعظم؛ لأن السيئة تعظم بحسب عظم الزمان والمكان، فإذا عظمت السيئة عظم جزاؤها؛ لأن الجزاء بحسب الذنب، إذا عظم الذنب عظم الجزاء، وإذا صَغُرَ الذنب صغر الجزاء، فهو من عظم الذنب، وعظم الجزاء تبعاً لعظم الذنب، لا من المضاعفة؛ لأن السيئات لا تضاعف، ولكنها تعظم، وتكون أكبر في زمان من زمان، وفي محل من محل؛ ولذا قال في حرم مكة: وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: آية 25] وقال في الأشهر الحرم : فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ [التوبة: آية 36] مع أن ظلم النفس في غيرهن حرام" انتهى، "العذب المنير" (2/612) .

وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

"المضاعفة في مكة بالنسبة للسيئات ليست من ناحية الكمية، ولكنها تتضاعف من ناحية الكيفية، بمعنى أن العقوبة تكون أشد وأوجع، والدليل أنها لا تضاعف كمية قوله تعالى: مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى" إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ، وهذه الآية مكية، لأنها في سورة الأنعام، لكن كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ؛ يعني أن إيلام العقوبة في مكة أشد من إيلام العقوبة إذا فعلت هذه المعصية خارج مكة. وفي هذا التحذير الشديد من المعاصي في مكة" انتهى، "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (20/169).

ومما يدل على شدة الوعيد في سيئات الحرم، وأن سيئة الحرم عظيمة وشديدة، قول الله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ الحج/25.

فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة، حتى إن الهم بالسيئة في الحرم فيه هذا الوعيد.

قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 536) :

"فمجرد إرادة الظلم والإلحاد في الحرم، موجب للعذاب، وإن كان غيره لا يعاقب العبد عليه إلا بعمل الظلم" انتهى.

وإذا كان من هَمَّ بالإلحاد في الحرم متوعدًا بالعذاب الأليم، فكيف بمن فعل في الحرم الإلحاد بالسيئات والمنكرات؟ فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهم، وهذا كله يدل على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير.

وينظر: "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (3/388).

والحاصل : أنه بناء على الآية الواردة في الأشهر الحرم، والأدلة الواردة في أن الثواب والعقاب يضاعفان في الأزمنة والأمكنة التي لها فضل على غيرها ؛ فإن الذي يظهر أن الثواب والعقاب يُضاعفان في الأشهر الحرم؛ كيفًا، لا عددًا؛ فالحسنة في الأشهر الحرم أعظم من الحسنة في غيرها من الأزمنة غير الفاضلة، والسيئة فيها أعظم من السيئة في غيرها من الأزمنة غير الفاضلة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب