الحمد لله.
أولاً:
اتفق العلماء على تحريم تعليق التمائم إذا كانت من غير القرآن والأدعية المأثورة.
واختلفوا إذا كانت من القرآن والأدعية المأثورة، فمنهم من أجاز لبسها، ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث وسدّا للذريعة، حيث جاء النهي عنها مغلظاً.
فعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنّ والتمائم والتوَلة شرك) رواه أبو داود (3883) وصححه الألباني.
وعن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط، فبايع تسعة وأمسك عن واحد. فقالوا: يا رسول الله بايعتَ تسعة وتركت هذا؟! قال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها، فبايعه، وقال: (من علق تميمة فقد أشرك) رواه أحمد (16969) وصححه الألباني.
قال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب رحمه الله:
"اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته:
فقالت طائفة: يجوز ذلك، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، وهو ظاهر ما روي عن عائشة، وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية، وحملوا الحديث على التمائم الشركية، أما التي فيها القرآن وأسماء الله وصفاته، فكالرقية بذلك.
قلت: وهو ظاهر اختيار ابن القيم.
وقالت طائفة: لا يجوز ذلك، وبه قال ابن مسعود، وابن عباس، وهو ظاهر قول حذيفة، وعقبة بن عامر، وابن عكيم رضي الله عنهم، وبه قال جماعة من التابعين، منهم أصحاب ابن مسعود، وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه، وجزم بها المتأخرون.
واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه؛ فإن ظاهره العموم، لم يفرق بين التي في القرآن" انتهى من "تيسير العزيز الحميد" (ص134).
وقال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله:
"إن تك هي - أي: التمائم - آيات قرآنية مبينات، وكذلك إن كانت من السنن الصحيحة الواضحات، فالاختلاف في جوازها واقع بين السلف من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم:
فبعضهم - أي: بعض السلف - أجازها، يُروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها، وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهما من السلف.
والبعض منهم كفَّ - أي: منع - ذلك وكرهه، ولم يره جائزاً، منهم عبد الله بن عكيم وعبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر وعبد الله بن مسعود وأصحابه، كالأسود وعلقمة ومن بعدهم، كإبراهيم النخعي وغيرهم رحمهم الله تعالى.
ولا شك أن منع ذلك أسد لذريعة الاعتقاد المحظور، لا سيما في زماننا هذا؛ فإنه إذا كرهه أكثر الصحابة والتابعين في تلك العصور الشريفة المقدسة، والإيمان في قلوبهم أكبر من الجبال؛ فلأن يُكره في وقتنا هذا - وقت الفتن والمحن - أولى وأجدر بذلك، كيف وهم قد توصلوا بهذه الرخص إلى محض المحرمات، وجعلوها حيلة ووسيلة إليها" معارج القبول (2/510).
وقد سبق في الموقع فتاوى مفصلة عن حكم التمائم بالأدلة وأقوال الأئمة فيحسن الرجوع إليها. (10543) (20349).
ثانياً:
إذا كانت التميمة التي يعلقها الإمام الذي يصلي بكم مما جرى الخلاف بجوازها، كأن تكون من القرآن، أو الأدعية المأثورة، فلا بأس من الصلاة خلفه.
وإن كانت مما يشتمل على طلاسم وتعاويذ شركية، فمثل هذا لا يولى إماما على المسلمين، وإن كان قارئا، بل يولى غيره من عدول المسلمين المستقيمين إماما بالناس.
ولا ينبغي لمن عرف حاله أن يصلي خلفه، لئلا يفتن الناس بذلك، أو يظنوا أن في ذلك إقرارا لعمله.
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الصلاة خلف من يكتب التمائم للناس فأجابت : " تجوز الصلاة خلف الذي يكتب التمائم من القرآن والأدعية المشروعة ، ولا ينبغي له أن يكتبها لأنه لا يجوز تعليقها.
وأما إذا كانت التمائم تشتمل على أمور شركية ، فلا يصلى خلف الذي يكتبها ، ويجب أن يبين له أن هذا شرك ، والذي يجب عليه البيان هو الذي يعلمها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/65).
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن الصلاة خلف من يكتب التمائم ، فأجاب : " وأما ما ذكرتم من كتابته التمائم فالتمائم فيها تفصيل : فإن كانت هذه التمائم فيها ألفاظ شركية ودعاء لغير الله عز وجل وأسماء مجهولة فهذه لا تجوز كتابتها ولا استعمالها بإجماع أهل العلم ، لأنها شرك ، وهذا لا يصلى خلفه ، أما إذا كانت هذه التمائم مكتوبة من القرآن الكريم ومن الأدعية المباحة والأدعية الواردة ، فهذه محل خلاف بين أهل العلم ، منهم من أجازها ومنهم من منعها والمنع أحوط" (فتاوى نور على الدرب).
ثالثاً:
إذا كان لا يُعلم ما حقيقة التمائم التي يتقلدها، فإن أمكن سؤاله ومعرفة حقيقة الأمر، فهو حسن، ويكون ذلك بلطف وإحسان، فإن كانت مما فيه الخلاف فالأمر يسير، وإن كانت من التمائم الشركية، فإنه يُنصح ويبين له الحكم الشرعي، فإن استجاب فالحمد لله. وإن رفض فلا يُصلى خلفه.
وإن لم يمكن سؤاله، وظاهر حاله السلامة، ومتابعة السنة: فالأصل حمله على ذلك حتى يتبين خلافه.
وإن كان حاله بخلاف ذلك، ولم يمكن إزالته عن إمامة الناس، إلا بمفسدة أو منكر أعظم؛ فلمن عرف ذلك منه أن يدع الصلاة خلفه، إنكارا لمنكره، وزجرا له عنه، ويتخير من الأئمة أولاهم بالسنة، وأحسنهم صلاة، فيصلي خلفه.
لكنه، وبكل حال، ليس له أن يدع صلاة الجماعة بالكلية؛ بل إذا لم يمكنه أن يصلي خلف غيره، صلى خلفه، وبدعته على نفسه؛ وتعليق التمائم ليس من الشرك المخرج من الملة، بل صلاته في نفسها صحيحة، ومن صحت صلاته لنفسه، صحت لغيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يجوز للرجل أن يصلى الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين ، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ، ولا أن يمتحنه فيقول : ماذا تعتقد ؟ بل يصلى خلف مستور الحال" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/ 351).
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله:
" يوجد في قريتنا مسجد، ولكن إمام المسجد يستعمل التراب من القبور، ويكتب التمائم والحروز، ويدعي بأنها تعالج المرضى وتفك من السحر والعين. هل تصح الصلاة خلف هذا الإمام المذكور؟ نرجو إفادة مأجورين؟".
فأجاب رحمه الله تعالى: " إنه لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن ذلك في خطب الجمع.
وأخذ التراب من القبور للاستشفاء به بدعة، وهو ضلال في دين الله، وسفهٌ في العقل، فإن هذا التراب لم يحدث له أي شيء يجعله سبباً في شفاء المرضى من أجل دفن الميت في القبر، بل هذه التربة كسائر تراب الأرض، وليس لها مزيةٌ على غيرها، ومن تبرك بها أو استشفى بها فقد ابتدع وضل وسفه في عقله.
وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا العمل، وأن يعلم أن الشفاء من الله عز وجل، وأنه لا شفاء بأي سببٍ من الأسباب إلا ما جعله الله سبباً، ولم يجعل الله تعالى أخذ التراب من القبور سبباً في شفاء المرضى.
وأما القراءة على المرضى بآياتٍ من القرآن، أو بما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن هذا سببٌ شرعي يحصل به الشفاء بإذن الله، وقد صح أن سريةً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام نزلوا على قومٍ فاستضافوهم، فأبى القوم أن يضيفوهم، فقدر الله تعالى على سيدهم- أي: سيد القوم- أن لدغته حية، فأتوا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: هل عندكم من راقٍ؟ قالوا: نعم. قالوا إنه لدغ سيدهم، فيريدون أن يرقى عليه. فقالوا لا نرقي عليه إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم إياها، فذهب أحد القوم من السرية إلى اللديغ، فجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام هذا الملدوغ كأنما نشط من عقال، وبرأ بإذن الله بقراءة الرجل عليه سورة الفاتحة. وتأثير قراءة القرآن في المرضى أمرٌ لا ينكر، قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَاّ خَسَاراً) . والشفاء هنا شامل الشفاء من أمراض القلوب وأمراض الأجسام.
وهذا الإمام الذي ذكرت أنه يتبرك بتراب القبور ويستشفي بها يجب عليكم أن تنصحوه، وتبينوا له أن ذلك بدعةٌ وضلالٌ في دين الله وسفهٌ في العقول، وأن عليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا العمل الذي كان يقوم به.
وأما قراءته على المرضى بآياتٍ من القرآن وبما جاءت به السنة: فإن هذا لا بأس به، بل هو أمرٌ مطلوب.
وأما الصلاة خلفه: فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أن الإنسان إذا لم يصل بعمله وبدعته إلى الكفر المخرج من الإسلام فإنه يصلى خلفه، وتصح الصلاة خلفه، إلا إذا كان في الصلاة خلفه فتنة، بحيث يفتتن به الناس ويتابعونه على بدعته، فحينئذٍ يحسن أن لا يصلى خلفه؛ لئلا يفتتن به الناس ويظنوا أنه على حق، حيث كان الناس يصلون وراءه، لا سيما إذا كان الذي يصلى وراءه ممن يشار إليهم بالفقه والعلم". انتهى، من "فتاوى نور على الدرب" (4/2) بترقيم الشاملة.
وسئل رحمه الله أيضا: " يفتي البعض بأنه لا يجوز الصلاة وراء الإمام المبتدع والذي ينكر من السنن، غير أن الحديث يقول (صلوا وراء بر وفاجر) فهل تجوز الصلاة وراء هذا الإمام أم لا؟".
فأجاب: " هذا الحديث الذي أشار إليه السائل (صلوا وراء كل بر وفاجر): لا أصل له بهذا اللفظ.
ولكن لا شك أن الصلاة خلف من هو أتقى لله، وأقوى في دين الله، أفضل من الصلاة خلف المتهاون بدين الله.
وأهل البدع ينقسمون إلى قسمين: أهل بدع مكفرة، وأخرى غير مكفرة.
فأما أهل البدع المكفرة: فإن الصلاة خلفهم لا تصح، لأنهم كفار لا تقبل صلاتهم عند الله؛ فلا يصح أن يكونوا أئمة المسلمين.
وأما أهل البدع غير المكفرة: فالصلاة خلفهم تنبني على خلاف العلماء في الصلاة خلف أهل الفسق.
والراجح: أن الصلاة خلف أهل الفسق جائزة؛ إلا إذا كان في ترك الصلاة خلفهم مصلحة، مثل أن يكون ذلك سبباً في ردعهم عن فسقهم، فإن الأولى هنا أن لا يصلي خلفهم". انتهى، من "ورسائل الشيخ" (15/135).
وسئل رحمه الله أيضا: عن حكم الصلاة خلف الإمام الذي يتداوى بالشعوذة؟" .
فأجاب: " الأصل في هذه المسألة أن نقول: إن كل من صحته صلاته من المسلمين صحت إمامته، لا سيما إذا كان الإنسان يجهل حال الإمام.
وأما من لا تصح صلاته من أهل البدع الذين تصل بدعتهم إلى الكفر، فهؤلاء لاتصح الصلاة خلفهم لعدم صحة صلاتهم.
وهذا الرجل الذي يتداوى بالشعوذة والتمائم، نقول: هو يتداوى بأمرين: التمائم والشعوذة، أما الشعوذة فمحرمة بلا شك لما فيها من الخداع، وربما يكون فيها شيء يوصل إلى الكفر، كما لو استخدم الشياطين، وتقرب إليهم بالذبح والدعاء وما أشبه ذلك وأما التمائم: فإن كانت من القرآن، أو من الأدعية المشروعة فقد اختلف العلماء فيها: فمنهم من أباحها، ومنهم من منعها.
والصحيح المنع، ولكن لا تصل إلى أن ينفر من الصلاة خلف الإمام الذي يستعملها.
أما إذا كانت التمائم من الرقى الشركية البدعية، فإنه لا يجوز استعمالها قولاً واحداً، وعلى الإنسان أن يتوب إلى الله تعالى من فعلها ويبتعد عنها" انتهى، من "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ" (15/136).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (106040) ورقم (104111)
والله أعلم